عبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــير الإســـــــــــــــــــــــــــــــــــــــلام
اهلا بك في منتديات عبير الاسلام
نحن نلتقي لنرتقي ونعمل جاهدين لرفعة الاسلام
ايها الزائر الكريم نحن ندعوك للتسجيل معنا
عبير اسعد

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

عبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــير الإســـــــــــــــــــــــــــــــــــــــلام
اهلا بك في منتديات عبير الاسلام
نحن نلتقي لنرتقي ونعمل جاهدين لرفعة الاسلام
ايها الزائر الكريم نحن ندعوك للتسجيل معنا
عبير اسعد
عبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــير الإســـــــــــــــــــــــــــــــــــــــلام
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ــ[ شبهات وردود .... ]ــ

اذهب الى الأسفل

 ــ[   شبهات وردود .... ]ــ Empty ــ[ شبهات وردود .... ]ــ

مُساهمة من طرف Al_maroof الخميس 13 سبتمبر 2012, 12:02 am



ــ( شبهات حول أمّيّة النبي صلى الله عليه وسلم )ــ

اقتضت إرادة الله تعالى أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أمّيّا ً ،

حتى صارت تلك الصفة من خصائصه ،

ولعل الحكمة من ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم

لو كان يحسن القراءة والكتابة ،

لوجد الكفار في ذلك منفذاً للطعن في نبوته ،

أو الريبة برسالته ،

وقد جاء تصوير هذا المعنى في قوله تعالى :

{ وما كنت تتلو من قبله من كتاب
ولا تخطه بيمينك
إذا لارتاب المبطلون }
( العنكبوت : 48 ) .



وفي هذا المقام نجد محاولة جديدة لطمس الحقائق وتزوير الأحداث ،

ويتمثل ذلك في إنكار بعض المستشرقين

ما استفاضت شهرته من إثبات أمّيّة النبي صلى الله عليه وسلم ،

متغافلين عن نصوص الوحيين الصريحة في ذلك ،

ثم ساقوا لتأييد أطروحتهم جملة من الأدلة

مستصحبين معهم أسلوبهم الشهير في تحريف النصوص وليّ أعناقها ،

واستنباط ما لا يدل عليه النص أبدا لا بمنطوقه ولا بمفهومه ،

ولا يقف الأمر عند هذا الحد ،

بل إننا نجد منهم اللجوء إلى الكذب الصراح

متى ما كان ذلك موصلا إلى هدفهم

من التضليل والتشويش .

وانطلاقاً من رغبتنا في بيان بطلان هذا الادعاء وبيان زيفه ،

فإننا سوف نورد ما استدلوا به في إنكار أمّيّته صلى الله عليه وسلم ،

ثم نقوم بمناقشته وإظهار وجه الحقيقة فيه .

كان أول ما استدلوا به هو ما رواه الإمام البخاري في قصّة الحديبية

عن البراء رضي الله عنه قال :

" لما اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة ،

أبى أهل مكة أن يدعوه يدخل مكة حتى قاضاهم على أن يقيم بها ثلاثة أيام ،

فلما كتبوا الكتاب كتبوا : هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله .

قالوا : لا نقر لك بهذا ، لو نعلم أنك رسول الله ما منعناك شيئاً ،

ولكن أنت محمد بن عبد الله . فقال :

( أنا رسول الله ، وأنا محمد بن عبد الله ) .

ثم قال لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه :

( امح رسول الله ) ،

قال علي : لا والله لا أمحوك أبدا .

فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب وليس يحسن يكتب ،

فكتب : هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله ،

لا يدخل مكة السلاح إلا السيف في القراب ".

قالوا : لقد نصّت الرواية على مباشرة النبي صلى الله عليه وسلم لكتابة ما نصّه :

" هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله " ،

ومادامت الكتابة قد ثبتت عنه فلا شك أنه كان يحسن القراءة من باب أولى ،

لأن القراءة فرعٌ عن الكتابة .

وهذه الشبهة تُعدّ من أقوى شبهاتهم .



والجواب على هذه الشبهة فيما يلي :

أولاً : لا نسلّم بأن الرواية السابقة جاء فيها التصريح بمباشرة

النبي صلى الله عليه وسلم للكتابة ،

بل هي محتملة لأمرين : أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم هو المباشر ،

أو أن يكون علي رضي الله عنه هو الذي قام بالمباشرة ،

وتكون نسبة الكتابة إلى النبي صلى الله عليه وسلم

مجازيةً باعتبار أنه هو الآمر بالكتابة ،

ونظير ذلك قول الصحابي :

" ونقش النبي صلى الله عليه وسلم في خاتمه :

محمد رسول الله " أي أمر بنقشه ،

وإذا أردنا معرفة رجحان أي الاحتمالين ،

فإنه يجب علينا العودة إلى مرويّات الحديث وطرقه .

لقد روى هذا الحديث المسور بن مخرمة و مروان

و أنس بن مالك رضي الله عنهم أجمعين ،

واتفقت تلك الروايات كلها على أمر النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بالكتابة ،

فقد جاء في البخاري عن المسور بن مخرمة و مروان

يصدق كل واحد منهما حديث صاحبه قالا :

" ..فقال النبي صلى الله عليه وسلم :

( والله إني لرسول الله وإن كذبتموني ، اكتب محمد بن عبد الله ) " ،

وكذلك قال أنس بن مالك رضي الله عنه في صحيح مسلم ما نصّه :

" ..فقال النبي صلى الله عليه وسلم :

( اكتب من محمد بن عبد الله ) ".

أما رواية البراء رضي الله عنه ،

فنلاحظ أن الرواة الذين نقلوها ، اقتصروا على بعض الألفاظ دون بعض ،

ومن هنا حصل اللبس والإيهام في هذه الرواية .

فرواية عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء رضي الله عنه ذكرت :

" ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه :

( امح رسول الله ) ،

فقال علي : لا والله لا أمحوك أبدا .

فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب وليس يحسن يكتب ،

فكتب : هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله " .

ورواية إبراهيم بن يوسف بن أبي إسحاق عن أبيه

عن أبي إسحاق عن البراء رضي الله عنه جاء فيها :

" فقال لعلي : ( امح رسول الله ) ، فقال علي :

والله لا أمحاه أبدا ، قال : (فأرنيه ) ،

قال فأراه إياه ، فمحاه النبي صلى الله عليه وسلم بيده ".

ويضاف إلى روايات البخاري السابقة رواية أخرى مهمة لحديث البراء ،

تلك الرواية التي أوردها ابن حبان في صحيحه عن محمد بن عثمان العجلي قال :

حدثنا عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء رضي الله عنه قال

: " فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم

الكتاب وليس يحسن يكتب فأمر فكتب مكان رسول الله محمداً ،

فكتب هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله "
الحديث .


ونخلص من مجموع تلك الروايات

أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر علياً رضي الله عنه أن يمحو كلمة :

( رسول الله ) ، فرفض عليٌّ ذلك ، فطلب منه أن يريه مكانها ،

فمحاها بيده ، ثم أمره بكتابة لفظة ( بن عبدالله ) ،

وهذا هو مقتضى الروايات .

ثم إننا نقول : إن رواية البخاري التي ذكرت قول النبي صلى الله عليه وسلم :

(فأرنيه ) ،

فيها إشارة واضحة إلى احتياج النبي صلى الله عليه وسلم

إلى علي كي يرشده إلى مكان الكلمة ،

مما يدل بوضوح على عدم معرفته للقراءة أصلا ،

ويضاف إلى ذلك أن المشرك الذي تفاوض مع النبي صلى الله عليه وسلم

لو رآه يكتب شيئا بيده في تلك الحادثة لنقلها إلى كفّار قريش ،

فقد كانوا يبحثون عن أي شيء يجعلونه مستمسكاً لهم في ارتيابهم ،

فلما لم يُنقل لنا ذلك دلّ على عدم وقوعه أصلاً .

ولكن دعنا نفترض أن المباشر للكتابة هو النبي صلى الله عليه وسلم ،

فهل يخرجه ذلك عن أميته ؟ يجيب الإمام الذهبي فيقول :

" ما المانع من تعلم النبي صلى الله عليه وسلم

كتابة اسمه واسم أبيه مع فرط ذكائه وقوة فهمه

ودوام مجالسته لمن يكتب بين يديه الوحي والكتب إلى ملوك الطوائف " ،

فمعرفة النبي صلى الله عليه وسلم لطريقة كتابة اسمه

واسم أبيه لا يخرجه عن كونه أمّياً كما هو ظاهر ،

فإن غير الأميّ يحسن كل كتابة وكل قراءة ،

لا بعضاً منها .

وأما شبهتهم الثانية :

فهي ما رواه الإمام البيهقي عن عون بن عبد الله عن أبيه قال :

" ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كتب – وفي رواية :

حتى قرأ وكتب – ".

والجواب عن هذه الشبهة أن الحديث ضعيف ،

فقد قال الإمام البيهقي نفسه : " ..فهذا حديث منقطع ،

وفي رواته جماعة من الضعفاء والمجهولين " .

وقال الإمام الطبراني : " هذا حديث منكر ،

وقال أبو عقيل : ضعيف " .

والحديث ذكره الإمام السيوطي في الموضوعات .

ومن استدلالاتهم على نفي أمّيّته ما ذكروه أن العباس بن عبدالمطلب

قال عندما سأله اليهودي : هل كتب النبي صلى الله عليه وسلم بيده؟ فقال :

فأردت أن أقول نعم ، فخشيت من أبي سفيان أن يكذبني ويردّ علي،

فقلت: لا يكتب ، فوثب الحبر وترك رداءه وقال:

ذبحت يهود وقتلت يهود " .

وما ذكروه يتضمّن تدليساً فاحشاً ، وكذباً واضحاً ،

يتّضح عند العودة إلى الرواية في مصادرها ،

فقد روى هذه القصة البيهقي في " دلائل النبوة "،

وذكرها ابن كثير في " البداية والنهاية " بسندها ، وموضع التدليس عند قوله :

" فقال الحبر اليهودي : هل كتب بيده ؟ ،

قال العباس : فظننت أنه خير له أن يكتب بيده ،

فأردت أن أقولها ، ثم ذكرت مكان أبي سفيان أنه مكذبي ورادٌّ عليّ ،

فقلت : لا يكتب . فوثب الحبر وترك رداءه وقال : ذبحت يهود وقتلت يهود " ،

وبهذا يظهر أن أميّة النبي صلى الله عليه وسلم كانت أمراً مشتهراً

يعرفها القاصي والداني من قومه .

ثم ننتقل إلى دليل آخر من أدلتهم ،

وهو الحديث الذي رواه ابن ماجة بسنده عن أنس بن مالك رضي الله عنه

أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

( رأيت ليلة أسرى بي على باب الجنة مكتوباً :

الصدقة بعشر أمثالها ، والقرض بثمانية عشر ، فقلت : يا جبريل ،

ما بال القرض أفضل من الصدقة ؟ .

قال : لأن السائل يسأل وعنده ، والمستقرض لا يستقرض إلا من حاجة ) ،

قالوا : والقدرة على القراءة فرع الكتابة .

لكن ما استدلوا به لا يصلح للاحتجاج ،

لأن الحديث ضعيف جدا ، وآفته خالد بن يزيد بن عبد الرحمن بن أبي مالك ،

قال عنه الحافظ ابن حجر في التقريب : " ضعيف مع كونه كان فقيها ،

وقد اتهمه يحي بن معين " . وسئل عنه أبو زرعة فقال :

" يروي أحاديث مناكير " .

ولئن صح الحديث ،

فليس فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم باشر القراءة بنفسه ،

بل واضحٌ من سياق الحديث أن جبريل عليه السلام كان بصحبته في الجنة ،

ثم إن حادثة الإسراء والمعراج في جملتها أمرٌ خارق للعادة ،

لا يُقاس الواقع به ، فكيف يتعجّب مع هذا الأمر الخارق العظيم

أن يقرأ النبي صلى الله عليه وسلم بضع كلمات مكتوبة على باب الجنّة ؟ ،

وإذا كانت القراءة تلك حاصلة منه في العالم العلويّ ،

وفي مشهد من مشاهد الآخرة – حيث رأى الجنة -

، فمن الذي قال إنه صلى الله عليه وسلم سيكون يوم القيامة على أميّته !! .

ومن المرويّات التي استدل بها المستشرقون ،

ما جاء في صحيح مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال :

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

( الدجال ممسوح العين ،

مكتوب بين عينيه : كافر ، ثم تهجاها : ك ف ر ) .

والجواب عن ذلك أن نقول :

إن تهجّي الكلمات يشمل نوعين : تهجي الكلمات المسموعة ،

وهذا أمر يشترك فيه المتعلم والأميِّ على السواء ، و تهجّي الكلمات المكتوبة ،

وهذا لا يقدر عليه إلا من كان يحسن القراءة ،

وإذا كان الأمر كذلك فليس في الحديث دلالة على

معرفة النبي صلى الله عليه وسلم للقراءة ؛

لأن النبي صلى الله عليه وسلم نطق الكلمة ثم تهجّاها .

وختاماً ، فإن ما ذكره المستشرقون

ومن تبعهم من محاولات للتشكيك في أمّيّة النبي صلى الله عليه وسلم

لا يصمد أمام حقيقة هامة ،

وهي أن أهل مكة الذين عاشوا معه وعلموا أخباره ،

وعرفوا مدخله ومخرجه وصدقه ونزاهته ،

قد أقرّوا جميعا بأميّته ،

والله الموفّق .


cheers


Al_maroof
Al_maroof
نائب مدير
نائب مدير

اوسمتي منتدي عبير الاسلام
مساهماتي : 14235
نقاطي : 22524
تسجيلي : 30/10/2011
مزاجي مزاجي : محتسب وحامد لربي

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

 ــ[   شبهات وردود .... ]ــ Empty رد: ــ[ شبهات وردود .... ]ــ

مُساهمة من طرف Al_maroof الخميس 13 سبتمبر 2012, 12:15 am




ـــ( تفنيد إدعاءات بابا الفاتيكان )ــ


من الشعر الذي كان يعلٌم لجيلنا ونحن صغار،

يردده المدرسون والآباء وسائر المربين،

قول الشاعر:

لكل داء دواء يستطب به ...إلا الحماقة أعيت من يداويها!!


والاستطباب هو طلب الطب، أي طلب العلاج.

وهو أمر يقتضي أن يدرك المريض مرضه،

أو يدركه من حوله فيسعون به إلي طبيب يطلبون البرء من المرض عنده.

لم تسيطر عليٌ فكرة سوي هذه الفكرة

بعد ما علمت بالتصريحات التي ضمٌنها السيد بنديكت (بابا روما) عن الإسلام،

وعن الرسول صلي الله عليه وسلم،

في محاضرة ألقاها في إحدي الجامعات الألمانية بحضور الحشد المعهود،

في اللقاءات العلنية لصاحب هذا المنصب،

من الأكاديميين ورجال الكنائس المختلفة الإيمان

والمثقفين والدبلوماسيين وسائر الناس.

ولم أعتن عندما طلبت مني إحدي الفضائيات العربية

مداخلة هاتفية حول الموضوع بتفنيد ما ادعاه السيد بنديكت أو الرد عليه

أو بيان خطئه أو تعصبه ضد الإسلام، أو جهله به.. إلخ؛

لأن هذا كله كان عندي خارج الموضوع.

الذي أهمني هو الدافع إلي الكلام عن الإسلام، وهو الدلالة التي تستفاد منه،

وهو محاولات الدفاع عن قائله التي حاول القيام بها بعض القساوسة الكاثوليك

علي شاشات الفضائيات،

وحاول القيام بها مصدر جُهل اسمه وهويته، من الفاتيكان.

(2) البابا بنديكت السادس عشر رجل لاهوت قديم.

وهو معروف من قبل اختياره للبابوية بأنه ذو موقف

أقل ما يقال فيه إنه متشدد من الديانات غير المسيحية،

ومن المذاهب غير الأرثوذكسية.

والتشدد بين المذاهب المسيحية أمر له جذوره التاريخية وأسبابه العقدية،

داخل الديانة نفسها، حتي قيل في مصر

إن سبب عدم استقبال رأس الكنيسة الأرثوذكسية القبطية للبابا الكاثوليكي السابق،

يوحنا بولس الثاني، في مقر الكاتدرائية بالعباسية:

'إنه يمثل إيمانا مختلفا لا يجوز السماح لصاحبه بدخول الكاتدرائية!'.

وهذا كله لا يهمنا نحن معشر المسلمين، ولا شأن لنا به.

نعم قد يعني به المشتغلون بمقارنة الأديان،

لكنه لا يشغل سائر المثقفين المسلمين ولا الدعاة ولا الفقهاء ولا الوعاظ ولا المرشدين.

ولذلك لا تجد أحدا، غير علماء مقارنة الأديان،

يتناول شيئا من ذلك أو يتحدث به في المجامع المفتوحة

أو وسائل الإعلام أو علي المنابر العامة.

ونحن نؤمن أن الله تبارك وتعالي 'يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون'

وندع ذلك الحكم له.

لكن تشدد البابا بنديكت السادس عشر

لم يمكنه من تقليد المسلمين الذين يمسكون عن الكلام عن الكنيسة

وتعاليمها وأثر هذه التعاليم في السلوك الأوروبي والأمريكي المسيحي

منذ اعتنقت أوروبا المسيحية ونقلتها إلي أمريكا حتي اليوم.

وقاده هذا التشدد إلي أن يتكلم كلاما تصف العرب قائله بأنه

"يهرف بما لايعرف"!!

وقاده إلي أن يصبح كما كانت تقول العجائز في بلادنا

لمن يتطفل علي ما لا شأن له به

"من تدخل فيما لا يعنيه سمع ما لا يرضيه"

وهما حالان كان جديرا بالذي يجلس علي رأس الكنيسة الكاثوليكية

أن يتجنب الوقوع في أي منهما.

إننا نحن معشر المسلمين كففنا ألسنتنا، ولا نزال فاعلين،

عن المخازي والفضائح التي تمتلئ بها وسائل الإعلام الغربية عامة

والأمريكية خاصة في الشأن الكاثوليكي. وليس ذلك إلا لأننا نؤثر

أن يكون الاحترام المتبادل هو عماد العيش المشترك بين أتباع الأديان المختلفة في العالم كله.

ونعلم أن الحماقة في الكلام عن الآخرين لا تجر إلا إلي حماقة منهم في الكلام عنا:

لا يمنعهم من ذلك أن يكون ما نقوله نحن حقا ثابتا موثقا

وأن يكون ما يقولونه أكاذيب ومفتريات

وأغاليط مخترعة لا أصل لها.

ونحن في ذلك نستجيب لتعاليم ديننا، فالقرآن يقول لنا:

{ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم}.

ولم يكونوا يدعون من دون الله إلا أوثانا، ولم يكونوا يكسبون إلا إثما،

ومع ذلك نهانا القرآن عن سب تلك الأوثان والتنديد بتلك الآثام.

ومن حقنا، وهذه تعاليم ديننا، أن نتوقع ألا يتحامق الناس علينا،

وأن يعاملونا بمثل ما نعاملهم به، وأن يمسكوا عن رمينا بالباطل

ونحن ممسكون عن انتقادهم بالحق. لكن الحماقة أعيت من يداويها!

ما شأن هذا البابا بالإسلام؟ وما علاقته بالنبي صلي الله عليه وسلم؟

ومن الذي خوَّله أن يتحدث عنهما بمثل ما تحدث به في ألمانيا؟

إن الذين أوتوا الكتاب يعرفون محمدا صلي الله عليه وسلم كما يعرفون أبناءهم.

بذلك نطق القرآن الكريم. فإن كان هذا البابا منهم فقد عرفه.

وما قاله إذن كذب صراح لا يليق بذي عقل فضلا عن صاحب دين،

ودعك من كونه صاحب أكبر منصب ديني في ملته.

وإن كان هذا البابا من أهل التحريف والتبديل وسوء الصنيع

فإنه لم يعرف محمدا صلي الله عليه وسلم، بل ران علي قلبه ما كسب من فعله،

فما الذي يحمله علي الكلام الأبله الذي قاله في ألمانيا؟

إنني لا أجد جوابا عن هذه الأسئلة كلها إلا: أنٌ الحماقة أعيت من يداويها.

هذا إن كان هناك في العالم الكاثوليكي من يريد أن يداويها أصلا.

(3) والدلالات التي تستفاد من كلام البابا الكاثوليكي كثيرة لكن أهمها

وربما قلت أخطرها أننا بهذه التصريحات نبدأ عهدا جديدا

من سوء العلاقة بين الكاثوليك والمسلمين.

عهدا يهدم عملا قارب بلوغ خمسين سنة من عمره،

هو الحوار الإسلامي الكاثوليكي.

لقد كان هذا الحوار يتم في مقر الفاتيكان،

ويتم في عواصم ومدن عربية وأوربية كثيرة،

ويشارك فيه ممثلون حقيقيون لمليار وثلث المليار من المسلمين

وممثلون حقيقيون للفاتيكان. وكان الاختلاف أكثر من الاتفاق.

لكن مجرد اللقاء وتبادل الآراء كان له آثار إيجابية عديدة

علي العلاقات الكاثوليكية والإسلامية.

وليس الكاثوليك أقل احتياجا إلي هذه الآثار وما يتبعها في المجتمعات الإسلامية

من حاجة المسلمين إليها في المجتمعات الكاثوليكية،

بل الصحيح أن الكاثوليك أحوج إلي تحسين العلاقة مع المسلمين،

وبنائها علي فهم صحيح لمواقف كنيستهم من المسلمين.

لقد تناسي البابا الكاثوليكي هذا كله إن أردنا أن نحسن الظن به

ولسنا مضطرين إلي ذلك وتعمٌد أن يهدمه عن سابق تدبير

وقديم تصميم لأنه لم يكن محبا للذي كان يرعاه سلفه

من الحوار بين أهل الإسلام وبين الكاثوليك.

والخاسر في ذلك هو الكنيسة الكاثوليكية،

وهو الكاثوليك في العالم كله لا في أوربا وأمريكا وحدهما،

وهما الإنسانية التي تفيد من الوئام والسلام أضعاف ما تفيد من سوء الفهم

ومن سوء التعبير ومن إحياء الضغائن ومن شتم الأنبياء

الذي برع فيه أسلاف البابا من اليهود الكذابين.

ولم يكن ذلك البابا محتاجا إلي شيء من ذلك،

اللهم إلا أن يكون صحيحا ما قاله الدكتور طه جابر العلواني علي شاشة الجزيرة

من أنه يرسل رسالة إلي الإدارة الأمريكية لينال بها حظوة

هناك يخفف بها الضغط علي كنيسته ورموزها الذين اتهموا

خلال العقد الماضي بأبشع التهم الأخلاقية والمالية.

وإذا دخلت العلاقات الكاثوليكية الإسلامية بسبب تصريحات البابا الكاثوليكي

في نفق مظلم من سوء الفهم وسوء التصرف وسوء الظن،

فلا يلومن أحد من الكاثوليك إلا نفسه فإن 'الناس إذا رأوا الظالم

ثم لم يأخذوا علي يديه، أوشك الله أن يعمهم بعذاب من عنده'.

(4) الذين دافعوا عن كلام البابا منذ نشرته وسائل الإعلام

كان أفضل لهم ألا يفعلوا. كان أفضل لهم أن يحتفظوا بمصداقيتهم

لدي الناس ويتركوا البابا يدافع عن نفسه أو يعلن خطأه،

وتراجعه عما قال أو علي الأقل تفسيره له.

كان أسوأ هؤلاء حظا المصدر الذي لم يذكر له اسم،

ولا عرفت له صفة، الذي نسب كلامه إلي الفاتيكان،

وهو أن 'البابا لم يهاجم الإسلام لكن جزءا من محاضرته أسيء فهمه'.

وهذا الكلام لا يستحق الرد عليه أو الوقوف عنده،

وهو استخفاف قبيح بعقول العالم كله الذي سمع التصريحات بجميع لغاته

عبر وسائل الإعلام المختلفة، وهي هجوم صريح علي العقيدة والشريعة معا

وسوء أدب بالغ مع النبي صلي الله عليه وسلم.

ولا يعفي البابا من آثار ذلك وتبعاته أنه نقل ما قاله من كتاب لإمبراطور بيزنطي قديم(!!)

هذا دفاع قاله بعض القساوسة الكاثوليك وهو لا يقل تهافتا عن كلام المصدر الفاتيكاني

لأن البابا هو الذي اختار ما ينقله، وهو الذي قرر قوله علانية،

وهو الذي أخرج هذا الكتاب من قبره في مكتبة الفاتيكان لينقل منه أسوأ ما فيه.

بعض المدافعين عن البابا قالوا: إن الاقتباس الذي نقله من ذلك الكتاب

'وظف خطأ'. ولم أفهم هل وظفه خطأ المسلمون الذين غضبوا لدينهم ونبيهم؟

أم وظفه خطأ الذي نقله وأذاعه وفاخر بالمحاضرة به علي الناس؟

وحاول بعضهم أن يزيد استغفالنا فقال: إن البابا كان يتكلم في سياق فلسفي

لا ديني، وإن الذي كان يريده هو رد الفلسفة الكنسية إلي أصولها المسيحية(!)

وإن الأسئلة التي أوردها البابا مطروحة علي الدين(!)

والحق أنني لم أستطع استيعاب هذا الدفاع كله.

ولم أفهم وجه الصلة بين الكلام عن الإسلام ونبيه صلي الله عليه وسلم

وبين الفلسفة الكنسية المسيحية. إن هذا الدفاع عن البابا أشبه برميه بعدم القدرة علي البيان

وعدم الدقة في التعبير منه بالدفاع عن كلام قاله يستحيل أن يدافع عاقل فضلا عن عالم عنه.

وبعض عقلاء المدافعين عن البابا قال:

'يجب أن ننتظر النص الذي سيصدره الفاتيكان للمحاضرة

لنعرف حقيقة ما قاله البابا، وعندئذ يمكننا الكلام'.

وهذا كلام قد يكون محترما، (وإن كان مبطنا باتهامنا بعدم الفهم)،

ومع ذلك فإنه يؤجل المسألة يوما أو يومين ثم سنعود إلي ما نحن فيه الآن.

وبعضهم قال: 'إن الفاتيكان عادة يصدر شرحا لكلام البابا فانتظروا هذا الشرح'!

وأنا لا ألوم هؤلاء المنتظرين. لكني لا أستطيع قبول

أي وجه من وجوه الدفاع عن السخافة والحماقة اللتين

تحدث بهما البابا عن الإسلام ونبيه صلي الله عليه وآله وسلم.

(5) ما قاله البابا لا يقل سفاهة وسوء أدب عن الرسوم الكاريكاتورية

التي نشرت في الدانمارك وكان من أمرها ما كان.
وليس للفاتيكان بضائع نقاطعها ولا تجارة نسعى بتجاهلها إلي كسادها.

لكن لدولنا كلها سفراء في الفاتيكان عليهم أن يحتجوا علي ما قيل،

وعلي دولهم أن تحملهم رسائل شديدة اللهجة تعبر عن استياء المسلمين وغضبهم،

وعن قلقهم مما قد تحدثه هذه التصريحات من عواقب وخيمة في العلاقات الإسلامية الكاثوليكية.

وفي الغرب جاليات من ملايين المسلمين مدعوة كلها

إلي التظاهر أمام كبري الكاتدرائيات الكاثوليكية بطريقة سلمية عاقلة

لكن معبرة عن مشاعر المسلمين نحو ما قاله البابا عن دينهم ونبيهم.

وهناك مشاريع لاستئناف الحوار الإسلامي الكاثوليكي،

كنا نبحث بعضها يوم السبت الماضي مع بعض الأصدقاء،

وأنا الآن أدعو إلي إلغاء هذه المشاريع جميعا،

بما فيها القمة الإسلامية المسيحية الثالثة التي كان يجري الإعداد لها

بين الفاتيكان وجمعية سانت إيجيديو من جهة،

وبين الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين من جهة أخري.

إن القرآن صريح في النهي عن القعود مع الذين يسخرون من آيات الله،

ويدخل في ذلك دينه كله وشأن نبيه صلي الله عليه وسلم:

{وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم
حتى يخوضوا في حديث غيره،
وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكري مع القوم الظالمين}
(الأنعام:68)،



{وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها
ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتي يخوضوا في حديث غيره،
إنكم إذا مثلهم، إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا}
(النساء:140).


cheers




Al_maroof
Al_maroof
نائب مدير
نائب مدير

اوسمتي منتدي عبير الاسلام
مساهماتي : 14235
نقاطي : 22524
تسجيلي : 30/10/2011
مزاجي مزاجي : محتسب وحامد لربي

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

 ــ[   شبهات وردود .... ]ــ Empty رد: ــ[ شبهات وردود .... ]ــ

مُساهمة من طرف Al_maroof الخميس 13 سبتمبر 2012, 12:36 am



ــ( بيان من مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا.. ردا على اتهامات البابا )ــ


الرحمة المهداة » شبهات وردود

بيان من مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا..

ردا على اتهامات البابا


يتابع مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا ببالغ الأسف والإنكار

ما أدلى به البابا بنديكت السادس عشر رأس الكنيسة الكاثوليكية

على مستوى العالم من تصريحات مسيئة للإسلام والمسلمين

في محاضرته بجامعة ريجنسبرج، وهي تصريحات

تنم عن ذهول أو جحود لأبسط الحقائق الإسلامية،

الأمر الذي لا يليق برجل في مثل سنه ومكانته اللاهوتية،

فهو الذي شارف الثمانين من عمره،

وأنفق حياته بأسرها في الدراسات اللاهوتية،

وتبوأ منصب الأستاذية بالجامعة، وأسس بها علم الأديان،

وتدرج في المناصب اللاهوتية حتى تبوأ منصب البابوية

منذ ما يزيد على عام!

ورغم كل مشاعر الغضب والاستياء التي تجتاح العالم الإسلامي عامة

وتجتاح مشاعر أعضاء المجمع وخبرائه خاصة بمناسبة هذه التصريحات الفجة

إلا أننا سننطلق من أدب الإسلام في مجادلة المخالفين،

ونستصحب قوله تعالى في محكم آياته:

{ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن}،

وسنتوجه بكلمة هادئة إلى البابا بنديكيت السادس عشر

وإلى العالم من ورائه راجين أن يكون فيها إقامة للحجة وتبرئة للذمة!



أولا: حول طلاقة المشيئة الإلهية

يذكر البابا في حديثه " أن (الله) في العقيدة الإسلامية مطلق السمو،

ومشيئته ليست مرتبطة بأي شيء من مقولاتنا، ولا حتى بالعقل،

ثم عقد مقارنة مع الفكر المسيحي المتشبع بالفلسفة الإغريقية،

زاعما أن الفكر المسيحي ينحاز إلى العقل، ويرفض كل ما يتناقض معه،

ودلل على ذلك بما جاء في أول فقرة في سفر التكوين،

وهي أول فقرة في الكتاب المقدس ككل استخدمها يوحنا في بداية إنجيله قائلا:

في البدء كانت الكلمة (يلاحظ أن هذه الكلمة لم ترد

في صدر سفر التكوين كما ذكر وإنما ورد فيه

" في البدء خلق الله السماوات والأرض"

أما طلاقة المشيئة الإلهية فهي موضع إجماع المسلمين

بل هي موضع إجماع الرسالات السماوية جميعا قبل أن تمتد إليها يد البشر بالتحريف والتبديل،

ولكن هذا يمثل نصف الحقيقة فقط، أما نصفها الآخر

فهو ما أجمع عليه حملة الشريعة أيضا من أن مشيئة الله تعالى

مرتبطة بحكمته لا تنفصل عنها،

فلا يشاء أمرًا مخالفًا للحكمة ولا مخالفا للحق،

فهو لا يخلق شيئًا باطلاً، ولا يشرع شيئًا عبثا، بل هو حكيم فيما خلق،

وحكيم فيما شرع، فخبره صدق، وحكمه عدل،

{وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا}،

فهو الحكم العدل، وتكرار ذلك في القرآن مما يدركه القاصي والداني،

فلا تتعلق مشيئته بباطل، ولا تتعلق مشيئته بظلم،

كيف وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق وأنزل الكتاب بالحق،

وحرم الظلم على نفسه وجعله محرما بين عباده،

وهو جل وعلا لا يفعل إلا ما فيه الخير والصلاح لعباده،

كما قال صلى الله عليه وسلم في مناجاته لربه:

"الخير بيديك، والشر ليس إليك".



ثانيا : حول الثبات والتطور في مدلول كلمات الله

وللمزيد من استجلاء الحقيقة حول مدى استيعاب البابا للتصور الإسلامي نتابع كلمته -

في ندوة كنسية حول الإسلام في أيلول/ سبتمبر 2005م -

حول قابلية الإسلام للتطور التي اعترض عليها بشدة قائلا

"إنّ كلمة الله عند المسلمين كلمة أبدية كما هي، غير قابلة للتلاؤم مع المستجدّات أو التأويل،

وهذا فارق أساسي مع المسيحية واليهودية، فكلمة الله عندهم أوكلت إلى البشر،

وأوكل إليهم أن تتعدّل لتتلاءم مع المستجدّات".

ولتصحيح هذا التصور المغلوط نقول: إن كلمات الله منها المحكم القطعي

ومنها المتشابه الظني ولله في ذلك كله الحكمة البالغة،

ولو شاء الله عز وجل أن يجعل كلماته جميعا

على نحو لا يحتمل في الفهم إلا معنى واحدًا ما أعجزه ذلك،

ولكنه جعل منها القواطع التي تمثل الشرع المحكم الذي تجتمع عليه كلمة المسلمين

ويمثل مبنى دينهم، وجعل منها المتشابهات التي تمثل دائرة المرونة

والتوسعة في هذه الملة حتى لا تحبس الأمة في اجتهاد واحد أو في تفسير واحد،

وبهذا يجمع مدلول كلمة الله بين الثبات والتطور، وبين القطعي والظني،

وبين المحكم والمتشابه، ولهذا استوعبت شريعة الإسلام

ما لايحصى وما لا يتناهي من الوقائع والأحداث، وبينت أحكام الله بشأنها،

وذخرت المكتبة الإسلامية بمئات الألوف من الذخائر الفقهية

التي حوت نفائس الاجتهادات ودقائق الاستنباطات،

واستوعبت حاجات الإنسان على مدى الزمان وعلى مدى المكان،

فلم تضق بجديد ولم تصادر فطرة، ولم تقمع حاجة بشرية حقيقية،

ولم تعنت أحدا من البشر، ولا يزال فقهاؤنا يتحدثون عن تغير الفتوى

بتغير الزمان والمكان، وعن المصلحة ودورها في استنباط الأحكام،

وعن الضرورات وفقهها، والحاجات وتنزيلها منزلة الضرورات في إباحة المحظورات

في منظومة تشريعية بديعة محكمة ومنضبطة أذهلت العالم كله شرقا وغربا

مما لا أظنه يخفى عن رجل في مثل سن البابا وعلمه.

ولا تزال المجامع الفقهية المعاصرة تنظر نوازل الأمة

ومستجدات حياتها، وتستنبط أحكامها وتقدم الصيغ والبدائل للمعاملات المحرمة

في إطار يجمع بين المحافظة على الأصل واستيعاب العصر،

فلم تحل حراما مجمعا عليه، ولم تحرم حلالا مجمعا عليه،

ولم تبدل شرعا مجمعا عليه، ولم تقدم بين يدي الله ورسوله،

فبقي الدين محفوظا من الخلل،

وبقيت الأمة ممنوعة من الزلل.

أما ما فعله أحبار اليهود والنصارى بشرائعهم فالبابا أخبر به!

لقد استحفظوا كتاب الله تنزيلا وتأويلا، فما حافظوا على تنزيل ولا على تأويل،

لقد دخل التحريف على التنزيل بما يقر به علماء النصرانية أنفسهم

وبما يغني عن الاستشهاد عليه من خارجهم،

أما تحريفات التأويل فحسبك أنهم يحلون الحرام ويحرمون الحلال،

وما خبر تقنين الشذوذ والسحاق وزواج المثل وإباحة الربا وقد نهوا عنه ببعيد،

وهو الأمر الذي يستنكره البابا لما عرف من تصلبه،

ولكن كنائس عديدة ومرجعيات نصرانية معتبرة في شرق العالم

وغربه أقرته تحت سمع العالم وبصره،

وهو الذي أشار إليه القرآن بحق في قول الله جل وعلا

{اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله
والمسيح بن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا
لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون}..


وقد كانت الربوبية فيهم أنهم يحلون الحرام

ويحرمون الحلال فيتابعونهم على ذلك.



ثالثا: حول العلاقة بين الإسلام والعقل

إذا كانت أول فقرة استخدمها يوحنا في بداية إنجيله كما يقول البابا:

في البدء كانت الكلمة. فإن أول كلمة تنزلت في القرآن الكريم

على محمد صلى الله عليه وسلم هي قول الله جل وعلا

{اقرأ باسم ربك الذي خلق }

فهي دعوة إلى القراءة ودعوة إلى العلم،

ولا يعرف كتاب احتفى بالنظر ودعا إلى التدبر وقدر العقل وأعلى من شأنه كالقرآن الكريم،

وآياته التي يقرؤها المسلمون في المشارق والمغارب شاهدة بذلك،

فقد أشاد هذا الكتاب الكريم بالعقل،

وجعله مناط التكليف، وأصبح من القواعد الثابتة في شرعنا أن من لا عقل له،

لا تكليف عليه، وقد أمر الله الناس أن يعملوا عقولهم،

وأن يتفكروافي ملكوت السماوات والأرض، حتى يخلص الإنسان من خلال ذلك

إلى الحق الذي بعث الله به أنبياءه ورسله، قال تعالى :


{ قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى
ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ
إِنْ هُوَ إلا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ }
(سـبأ:46) ،

وعير سبحانه الكفار بتركهم تعقل وتفهم وحيه،

فشبههم بالبهائم، فقال سبحانه :


{ وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ
إلا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ }
(البقرة:171) ،


وقال أيضاً :


{إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ}
( الأنفال:22)،


والآيات في هذا الباب كثيرة،

وهي لا تزال كتابا مفتوحا على العالم أجمع،

فالعقل أساس النقل، وبالعقل ثبت النقل والوحي والنبوة

، وإن من الأبجديات والبدهيات في دين الإسلام أن العلم يسبق الإيمان،

وأن الإيمان ثمرة له، كما في قوله تعالى:


{وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ}
[الحج: 54]


فجعل العلم سابقا والإيمان ثمرة له،

ولايعرف في الإسلام تعارض بين عقل صحيح ونص صريح،

وهو تحد معروض على العالم كله، فليأتونا بمثال واحد يهدم هذه الحقيقة،

ولعلماء المسلمين في درء التعارض بين العقل والنقل مراجع ومطولات،

ولهم في ذلك من القوانين والقواعد الكلية ما لا يزال مفخرة للفكر البشري كله.

ومن العجيب أن يرمي رأس الكنيسة الإسلام بهذه الفرية

ولا يعرف دين حفل بالعجائب والخرافات كالنصرانية المحرفة

التي يتبوأ البابا عرش بابويتها والتي تقول تعاليمها:

آمن ثم اعلم!

اعتقد وأنت أعمى! أغمض عينيك ثم اتبعني!

والتي يقول أحد فلاسفتها الدينيين (أوغستين):

أومن بهذا لأنه محال، أو غير معقول!

ويقول أحد قساوستها من المعاصرين وهو القس وهيب الله عطا:

"إن التجسيد قضية فيها تناقض مع العقل والمنطق والحس والمادة والمصطلحات الفلسفية،

لكننا نصدق ونؤمن أن هذا ممكن حتى ولو لم يكن معقولاً "

(عن كتاب مقارنة الأديان لشلبي 2/124 ) .

هل يستطيع البابا أن يمنطق لنفسه أو للعالم عقائد النصرانية

من الصلب والفداء والتثليث والتجسيد والعشاء الرباني

وسائر ما حفلت به عقائد القوم من العجائب والغرائب والأباطيل؟!!



رابعا:حول مفهوم الجهاد في الإسلام

يدندن البابا حول مغالطة كبرى معادة ومكرورة، يزعم من تولى كبرها

أن الإسلام قد انتشر بالسيف، أي أن حروبه كانت لقهر الناس على الإيمان،

ثم يصول البابا ويجول في بيان أن هذا مجاف للمنطق ولطبائع الأشياء،

بل مجاف لطبيعة الرب ذاته التي لا تحب الدماء

والتي تجعل من الكلمة والإقناع الطريق الوحيد إلى الإيمان.

والحقيقة التي لا مراء فيها أن الجهاد في الإسلام إنما شرع لدرء الحرابة وكف العدوان،

وليس للإكراه على الدين سواء أكانت هذه الحرابة واقعة بالفعل،

وهو ما يسمى بجهاد الدفع، أو متوقعة ولاحت نذرها بدلائل قطعية وبينات يقينية

وهذا هو جهاد الطلب، وحسبنا هذه الآية القطعية المحكمة من كتاب الله عز وجل

{لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي}
[البقرة:256].


ولم تخرج حروبه كلها صلى الله عليه وسلم عن ذلك لمن تدبر السيرة

وأمعن النظر في حروبه وغزواته صلى الله عليه وسلم؛

ذلك أن هذه الأمة أمة هداية، وليست أمة بغي وحرابة،

وحيثما أمكن استحياء النفوس بالإيمان أو بالأمان فلا ينبغي العدول عن ذلك

فإن الله تعالى لم يبح من قتل النفوس إلا ما لا بد منه لصلاح الخلق،

دفعا للعدوان ودحرا للمعتدين، ولعل الله أن يخرج من أصلابها من يعبد الله تعالى ويوحده،

وقد قال تعالى:

{ وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين }.


وكل ما ذكره البابا من مجافاة القهر على الإيمان للمنطق ولحكمة الرب جل وعلا

فهو وإن كان صحيحا في مجمله ولكنه لا علاقة له بالإسلام ا

لذي يسوق البابا هذا الكلام للإرجاف حوله والتشنيع عليه.

وإذا كان البابا ينطلق في حديثه من بعض حوادث العنف

التي تقع في مناطق متفرقة من العالم، فلا أحسب أنه يخفى على مثله

أن العنف ظاهرة عالمية لم تكد تنفك عنها أمة من الأمم ولا ملة من الملل،

وأن ما يقع من مظاهر العنف في بعض مناطق العالم الإسلامي أو من بعض من ينتسبون إليه

فإن منه ما هو مشروع لا ينكره على أصحابه إلا ظالم لنفسه،

وهو ما يندرج تحت أعمال المقاومة المشروعة

التي اتفقت على مشروعيتها الشرائع السماوية والقوانين الوضعية،

كهذا الذي يجري على أرض فلسطين والعراق ولبنان وغيرها من المناطق المحتلة

في عالمنا الإسلامي لدفع ما وقع عليها من الظلم والعدوان،

والذي لو وقع مثله على دولة الفاتيكان ما وسع البابا إلا أن يعلن بنفسه النفير،

وأن ينضم إلى قوافل المقاومة، وأن يجيش قومه قاصيهم ودانيهم

لدفع العدوان ودحر المعتدين! ومنه ما هو غير مشروع

كهذا الذي جرى في الولايات المتحدة ولندن وغيرها

وهو الأمر الذي يدينه المسلمون قاطبة، ويعتقدونه خروجا صارخا

على أبسط قواعد المشروعية الإسلامية،

وهذا النوع من العنف إن كان سببه ما يقع على أمة الإسلام من مظالم

واعتداءات تحت سمع العالم وبصره،

ولكن هذا لا يسوغ مثل هذه الأعمال ولا يضفي عليها مشروعية بحال من الأحوال.

ومن ناحية أخرى فهل نسي البابا ما ارتبط بالمسيحية من عنف على مدار التاريخ قديمًا وحديثًا

سواء في صراعاتها الداخلية أم في صراعها مع العالم الإسلامي بدءا من الحروب الصليبية

وانتهاء بالحملات الاستعمارية في العصر الحديث؟!

يقول "هانز كونج" عالم اللاهوت السويسري، المحاضر السابق بالجامعات الألمانية،

ومؤسس "مشروع الأخلاق الكونية"، في معرض انتقاده لباباالفاتيكان:

إنه "وضع العنف والإسلام في سلة واحدة،

وأغفل ما ارتبط بالمسيحية على مدار التاريخ من عنف".

واستطرد كونج: "المسلمون لا يتذكرون فقط الحملات الصليبية؛

بل يذكرون أيضا الاستعمار الأوربي بالقرن الـ

19 الذي امتد من المحيط الأطلنطي حتى ماليزيا".

الجديد الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم

ويبلغ التطاول والعدوان ذروته عندما يسوق البابا في حديثه

قول الامبراطورالبيزنطي في حديثه المزعوم للمسلم الفارسي:

أرني شيئا جديدا أتى به محمد، فلن تجد إلا ما هو شرير ولا إنساني،

مثل أمره بنشر الدين الذي كان يبشر به بحد السيف".

وبعيدا عن الشك الذي يكتنف هذه الرواية من حيث المبدأ،

وعن ذكره لقول الإمبراطور البيزنطي وصمته عن جواب المسلم عنه،

وهو الأمر الذي يجافي أبسط قواعد الإنصاف والموضوعية،

فإن الجحود والجهل والحمق الذي يكتنف هذه المقولة

أكبر من أن تحيط به كلمات البشر بالغة ما بلغت!

وفي البداية نؤكد على أن محمدا صلى الله عليه وسلم

لم يكن بدعا من الرسل، بل جاء بما جاء به سائر الأنبياء من قبله من التوحيد وأصول الشرائع،

كالدعوة إلى عبادة الله وحده والكفر بما يعبد من دونه،

والدعوة إلى مكارم الأخلاق والنهي عن سفسافها،

وغير ذلك من أصول الشرائع التي اتفق عليها سائر النبيين، فهو اللبنة الأخيرة

في بنيان النبوة الذي تكامل به على مدار التاريخ،

وهو القائل إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق، والقائل

[ إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتا

فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به

ويعجبون له ويقولون هلا وضعت هذه اللبنة قال

: فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين ] ثم بعد هذا خصه الله عز وجل بباقة من الخصائص

تميز بها وتميزت بها دعوته، وهو الأمر الذي لا يحول دون الإقرار به

إلا البهت الصريح أو الجهل الفاحش!

ترى أيجهل البابا أن محمدا صلى الله عليه وسلم

قد وضع بدينه الإصر والأغلال التي كانت

على بني إسرائيل بظلمهم وبفجورهم وبفسوقهم عن أمر الله؟!

أم هو الجحود والتجاهل؟!

أيجهل البابا أن محمدا صلى الله عليه وسلم هو الذي أعاد للمرأة كرامتها،

وقد كانت سلعة تباع وتشترى وتورث كما يورث المتاع؟!

أم هو الجحود والتجاهل؟!

أيجهل البابا أن محمدا صلى الله عليه وسلم

هو الذي جاء بمنظومة متكاملة من الأحكام والشرائع المدنية والحقوقية

بما لا يسع العالم إلا أن يقف أمامها صاغرا ومذهولا ؟!

أم هو الجحود والتجاهل؟!

أيجهل البابا أن محمدا صلى الله عليه وسلم

هو الذي جاء بمنظومة من القواعد والآداب التي تحكم العلاقات الدولية

حربا وسلما بما لا ترقي إلى عشر معشاره أرقي الاتفاقيات الدولية المعاصرة ؟!

وهو الأمر الذي شهد به كبار الحقوقين من بني جلدته؟!

أم هو الجحود والتجاهل؟!

أيجهل البابا أن محمدا صلى الله عليه وسلم

هو الذي أعلن المساواة بين الجنس البشري، وهدم التمييز بين البشر

على أساس الألوان أو الأعراق أو الألسنة،

ولم يجعل معيارا للتفاضل بينهم إلا بالتقوي، وقد تجسد ذلك في المؤاخاة التي جرت في المدينة،

ثم تجذر هذا المفهوم في المجتمع المسلم وأصبح من آكد الإنجازات الحضارية

التي قدمها الإسلام للبشرية؟ أم هو الجحود والتجاهل؟!

أيجهل البابا أن محمدا صلى الله عليه وسلم

هو الذي قدم إلى البشرية التكامل بين الروح والجسد،

والتوافق بين العقل والقلب، والتمازج بين الدنيا والآخرة،

ولبى مطالب الإنسان المادية كما أشبع أشواقه الروحية،

في تكامل وتناسق بديع عجيب، وجاء بالوسطية السمحة

بين الرهبانية العاتية والمادية الطاغية؟!

أم هو الجحود والتجاهل؟!

هذا غيض من فيض، ولا تحتمل مثل هذه المقولة

أكثر من هذه الإشارات المجملة!

هل يمكن اعتبار ما صدر عن البابا من قبيل الزلة العارضة؟

وأخيرا فإنه لا يمكن حمل كلمات البابا على أنه من قبيل الزلة العارضة

أو الفلتة العابرة كما اعتبر بعضهم كلمة بوش في حديثه عن قيادته لحروب صليبية

في بدايات مسلسل ما سماه الحرب على الإرهاب، فكلمة البابا جاءت في سياق محاضرة أكاديمية له،

وهو الرجل الأكاديمي الذي درس في الجامعة لسنوات عديدة،

وحصل بها على درجة الأستاذية، وأسس بها علم الأديان،

وهو يمثل كنيسة تعتقد العصمة لرجالاتها،

وتدقق فيما يصدر عنهم من كلمات وتصريحات قبل تطييرها لعسر رجوعها

واعتذارها عما ينسب إليها،

ولم تتراجع الكنيسة عن كثير من أخطائها إلا بعد مرور مئات السنين عليها!

كما لا يمكن فصل هذه الكلمة عن السيرة الذاتية للبابا الذي يحمل مشاعر سلبية

تجاه الإسلام والمسلمين فاضت بها مواقفه وتصريحاته،

سواء منها ما كان قبل تبوئه منصب البابوبة كما حدث عندما أدلى بتصريح في عام 2004

عندما كان كبير علماء اللاهوت في الفاتيكان

أعرب فيه عن مناهضته لانضمام تركيا للاتحاد الأوروبي لأنها دولة مسلمة!

أو ما كان منها عبر مشوار ولايته البابوية

على قصره كما حدث عند استقباله لممثلين مسلمين في مدينة كولونيا بقوله

(إن على المسلمين نزع ما في قلوبهم من حقد،

ومواجهة كل مظاهر التعصب، وما يمكن أن يصدر منهم من عنف)!

وكاستقباله للكاتبة الإيطالية المقيمة في الولايات المتحدة (أوريانا فالاتشي)

والتي تؤلب في كتبها ومقالاتها على الإسلام والمسلمين.

والتي تصم الإسلام كله بالتطرف

ولا ترى فرقًا بين إسلام متطرف وإسلام معتدل!

هل يحمل الأسف الذي أعلنه البابا اعتذارا عن تصريحاته أو تراجعا عنها؟

وما اعتذر به البابا من القول بأنه يشعر بالأسف بعد أن رأى أن كلمته عن الإسلام

التي تحدثت عن انتشار الديانة عبر إراقة الدماء كانت مسيئة،

قائلا إنه يحترم عقيدتهم ويأمل أن يفهموا "المعنى الحقيقي

" لكلماته. فالواقع أنّ مثل هذا الأسف لا يفيد في هذا المقام، ذلك أن المشكلة لا تتمثّل في "قصده"

بل في مضمون كلماته، فضلا عن أن هذا المضمون

هو الموضوع المفضّل قديما وحديثا لدى بنديكت السادس عشر،

أي التوفيق بين "العلم والدين" أو "العقل والعقيدة"، وتلك "مشكلة كنسية" قديمة جديدة،

فحديثه عنه لا يمكن كما سبق اعتباره من قبيل الزلة العارضة،

ومن هنا كان حديثه عن الإسلام في المحاضرة - على أفضل التفسيرات- من باب "المثال"،

الذي أراد ذكره للقول إنّ التناقض (في زعم القائل) بين الدين والعقل يمنع الحوار مع الآخرين ،

ومن ناحية أخرى فإن هذا الأسف يحمل تجهيلا للمسلمين وسبًا جديدا لهم بقصور الفهم وضيق الأفق،

وادعاءً بأنهم لم يرتقوا إلى المستوى الذي يؤهلهم لفهم كلماته ولذلك فإنه يأسى لهم ويأسف لحالهم!!

أما قول بعضهم بأن البابا قد أورد مقولة قيصر بيزنطي

ولا يعني إيراده لها بالضرورة تبنيه لمضمونها فإنه قول لا يتسنى قبوله

في هذا المقام، فقد كان باستطاعة البابا الكاثوليكي ذي الأصل الألماني،

المتحدّث بالألمانية، لجمهور ألماني، على الأرض الألمانية..

كان باستطاعته لو أراد شيئا آخر سوى "مضمون" الاستشهاد،

أن يأتي مثلا ببعض ما قاله عن الإسلام القيصر الألماني غليوم الثاني قبل أقلّ من قرن واحد،

بدلا من القيصر البيزنطي إيمانويل الثاني قبل ستة قرون، أو ببعض ما قال به جوتة،

أشهر شاعر وأديب ألماني، أو سواهما - وسواهما كثير-

من مشاهير الفلاسفة الألمان وغير الألمان في حقبة "التنوير" الأوروبية.


للحوار آدابه وقواعده

أما قول "البابا إنه يؤيد بشكل مطلق الحوار بين الأديان والثقافات"

فإننا نقول له: إن للحوار آدابه وقواعده متى التزم بها المتحاورن كان الحوار مثمرًا وبناءً،

وإلا فإنه يفتح أبوابا إلى الجدل العقيم وإثارة الأحقاد والضغائن

بما لا يفيد قضية الحوار بل ربما أتى بنقيض ما أريد بها.

وأخيرا فإن للبابا أن يكفر بالله ورسوله كما شاء، وأن يسيء الظن بنبيه وبرسالته كما شاء،

فتلك قضيته التي لا شأن لنا بها، وسيرد إلى ربه فيحاسبه على ذلك،

أما أن يحول هذا الكفر إلى سباب وأكاذيب فهذا الذي نتحدث عنه في هذا المقام

وهو الذي يرفضه منطق الحوار الذي يرفع البابا لواءه ويفتح أبوابه.

وما أحوجنا في واقعنا المعاصر وقد مزقته الصراعات وأشقته المنازعات

إلى صوت الحكمة الذي يرفعه عقلاء العالم على اختلاف أجناسهم وملله

م ونحلهم لكي يجنبوا البشرية ويلات هذه الحروب الطاحنة ويهيئوا الأجواء

لتعايش سلمي هادئ يمشي الناس فيه في مناكب الأرض يبتغون من رزق الله

ويتعرفون على هدايات أنبيائه ويسعون في مرضاته بعيدا عن التطاحن والتظالم

والتقاتل الذي لا تصلح به دنيا ولا يقام به دين،

والله من وراء لقصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.


cheers


Al_maroof
Al_maroof
نائب مدير
نائب مدير

اوسمتي منتدي عبير الاسلام
مساهماتي : 14235
نقاطي : 22524
تسجيلي : 30/10/2011
مزاجي مزاجي : محتسب وحامد لربي

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

 ــ[   شبهات وردود .... ]ــ Empty رد: ــ[ شبهات وردود .... ]ــ

مُساهمة من طرف Al_maroof الخميس 13 سبتمبر 2012, 12:43 am



ــ( شبهات في السيرة ....الإغارة على قوافل قريش )ــ


يلحظ الناظر في شبهات المستشرقين ومن تبعهم سياستهم

في قلب الحقائق والنظر إلى الأمور بمنظار قاتم ،

يُرى فيه الحق باطلاً ، والحسن قبيحاً ، والفضيلة رذيلةً ،

متوصلين بذلك إلى مأربهم الدنيء من تشويه صورة هذا الدين وتزييف حقائقه ،

وهذه هي طريقتهم المفضّلة في حربهم على الإسلام .

وسوف نستعرض في مقالنا هذا ،

نموذجا لإحدى التشويهات المتعمدة

والنظرات الجائرة للتاريخ الإسلامي .

لقد حاول المستشرقون ومن تبعهم إيهام الناس

أن النبي صلى الله عليه وسلّم لجأ إلى السطو

على قوافل قريش التي كانت محمّلة بأثمن البضائع ،

رغبةً منه في التوسّع المالي ، وتكديس الثروات ،

متناسين ما وُصف به النبي صلّى الله عليه وسلم

والمؤمنون معه من زهدٍ وتقشّفٍ طيلة حياتهم ،

ويقول أحدهم واصفاً جيوش المؤمنين في العهد المدني قبل غزوة بدر :

" ..وبدأت هذه السرايا باعتراض قوافل قريش والسطو عليها ،

وأخذ ما أمكن من الغنائم منها " .

وللإجابة على هذه الشبهة ،

ينبغي لنا أن نعلم تداعيات الأحداث وسرد تسلسلها التاريخي

كي نفهم المناخ الذي ألجأ المسلمين إلى التعرّض لتلك القوافل ،

ولأجل أن يتّضح للقاريء الكريم كيف تُقلب الحقائق وتُسمّى بغير اسمها .

إن الوضع الذي عاش فيه المسلمون في العهد المكيّ كان شديداً ،

فقد ضُيّق عليهم من قبل صناديد قريش وكبرائها ،

فقاموا بتعذيبهم والتنكيل بهم ، ومارسوا معهم كل أساليب الاضطهاد الديني والتعذيب الوحشيّ ،

حتى فقدوا بعضهم ، وأكلوا أوراق الشجر ،

وعاشوا حياةً مليئةً بالمصاعب والآلام ،

فما كان للمسلمين بدّ أن يتخلّوا عن أوطانهم وديارهم ،

فراراً بدينهم ، وطلباً لمكان يعبدون فيه ربّهم ،

دون أن يتعرّض لهم أحد، وصدق الله إذ يقول في كتابه :


{ الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله }
( الحج : 40 ) .


ومما يؤكد ذلك قول عائشة رضي الله عنها :

" كان المؤمنون يفرّ أحدهم بدينه إلى الله تعالى وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم ،

مخافة أن ُيفتن عليه" رواه البخاري ، وعنها أيضا : " .

.وجعل البلاء يشتد على المسلمين من المشركين لما يعلمون من الخروج – أي : لبيعة العقبة - ،

فضيّقوا على أصحابه وتعبّثوا بهم ،

ونالوا منهم مالم يكونوا ينالون من الشتم والأذى ؛

فشكا ذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ،

واستأذنوه في الهجرة " رواه ابن سعد في الطبقات .

وعلى الرغم من ذلك ، لم تقف قريش مكتوفة الأيدي ،

بل قامت بالاستيلاء على جميع ممتلكات المهاجرين،

واستباحت ديارهم وأموالهم ،

وليس أدل على ذلك من تجريدهم لأموال صهيب الرومي رضي الله عنه.

حتى إذا تم استقرار المسلمين في المدينة واستتبّ لهم الأمر ،

أذن الله تعالى لهم بالقتال لمن ظلمهم وبغى عليهم ،

قال الله تعالى :

{ أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا }
( الحج : 39 ) ،


فأُعلنت الحرب على قُريش ورجالاتها منذ تلك اللحظة ،

ومعلوم أن الحروب تأخذ أشكالا عديدة ،

يأتي في مقدّمها ما يُسمى بلغة عصرنا :

" الحرب الاقتصادية " ،

فلهذا كان المسلمون يتعرّضون لقوافل قريش ،

ويقطعون طريقها .

يقول اللواء محمد جمال الدين محفوظ :

" والضغط الاقتصادي من الأساليب التي لها آثار استراتيجية في الصراع ،

وبدراسة الأعمال العسكرية التي تمت خلال العامين الأول والثاني للهجرة إلى ما قبل غزوة بدر ،

يتّضح أن هدفها الغالب هو التعرّض لقافلة قريش على طريق تجارتها من مكة إلى الشام ،

مما شكّل ضغطاً اقتصادياً على قريش التي أدركت أن هذا الطريق أصبح محفوفاً بالمخاطر ،

وخاصةً بعد أن عقد الرسول صلّى الله عليه وسلّم الاتفاقات والمعاهدات مع القبائل العربية ،

وأبلغ تعبير عن آثار هذا الضغط الاقتصادي قول صفوان بن أميّة لقومه :

إن محمدا وأصحابه قد عوّروا علينا متجرنا ، فما ندري كيف نصنع بأصحابه وهم لا يبرحون الساحل ،

وأهل الساحل قد وادعهم ودخل عامتهم معه ، فما ندري أين نسلك ؟ ،

وإن أقمنا في دارنا هذه أكلنا رؤوس أموالنا ، لم يكن لها من بقاء ،

وإنما حياتنا بمكة على تجارة الشام في الصيف ،

وإلى الحبشة في الشتاء " أ.هـ.

ويؤكّد ما سبق ، ما رواه الإمام الطبراني في معجمه

أن أبا جهل قال في معرض كلامه عن سريّة سيف البحر :

" يا معشر قريش ، إن محمداً قد نزل يثرب وأرسل طلائعه ،

وإنما يريد أن يصيب منكم شيئا ، فاحذروا أن تمرّوا طريقه وأن تقاربوه ،

فإنه كالأسد الضاري ، إنه حنق عليكم " ،

وهكذا أعادت قريش النظر في صراعها مع المسلمين

بعد تلك الضربات الموجعة .

ولم تكن تلك الضربات هي المعتمد الإقتصادي لدى المسلمين ،

فقد حرص النبي صلى الله عليه وسلم على إنشاء سوق منافسة لسوق اليهود في المدينة ،

وسرعان ما ازدهرت تلك الحركة التجارية

لتصبح مورداً قوياً لتلك الدولة الناشئة .

ثم لو كان المقصود من هذه الغارات الطمع في التوسّع المادي المجرد من القيم الأخلاقية

لما روى لنا التاريخ في صدره الأول أمثلةً راقيةً لذلك الجيل ،

تبيّن لنا ما وصلوا إليه من زهدٍ في الدنيا ،

وتقلّلٍ من متاعها ، ولما وجدت في تعاليم النبي صلى الله عليه وسلّم

ذمّا لها أو تحذيرا من الافتتان ببهرجها وزخارفها.

ولما تضافرت النصوص النبوية نهياً عن كل مظاهر الإسراف والترف ،

أو بياناً لعواقب المتكبّرين والمختالين ، أو ترغيباً بالجود والعطاء ،

والكرم والسخاء ، والإيثار بكل صوره .

ثم إن المسلمين قد تحقّق لهم توسعٌ أكبر في دولتهم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ،

وصار لها ثقل اقتصادي ضخم ، وموارد مالية عديدة ، فما زادهم إلا زهداً في الدنيا وما فيها ،

وغدا الجميع كأسرةٍ واحدة، يحنو بعضهم على بعض ، ويغيث الأخ أخاه ،

ويتعاهده في حضرته وغيبته .

ولم تقتصر هذه المظاهر الإنسانية على أبناء ملتهم فحسب ،

بل امتدّت لتشمل الآخرين من معتنقي الملل الأخرى ،

وشواهد التاريخ أعظم دليلٍ على ذلك .

فخلاصة الأمر :

أن التعرض لقوافل قريشٍ كان نوعاً من الحرب الاقتصادية عليها ،

وكسراً لشوكتها ، وما ذلك إلا رغبةً في رد حقوق المسلمين المسلوبة

وأموالهم المنهوبة ،

وبهذا يتقرّر لنا أن هذه الشبهة المثارة ليس لها رصيد من الحقيقة ،

ولا تجرّد من قائليها ،

بل هي انحرافٌ ظاهرٌ في تقييم الأمور وتوصيف الأحداث.


cheers


Al_maroof
Al_maroof
نائب مدير
نائب مدير

اوسمتي منتدي عبير الاسلام
مساهماتي : 14235
نقاطي : 22524
تسجيلي : 30/10/2011
مزاجي مزاجي : محتسب وحامد لربي

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

 ــ[   شبهات وردود .... ]ــ Empty رد: ــ[ شبهات وردود .... ]ــ

مُساهمة من طرف Al_maroof الخميس 13 سبتمبر 2012, 12:51 am



ــ( هل أكل النبي صلى الله عليه وسلم مما ذبح على النصب )ــ



أحاطت العناية الربانية بالنبي صلى الله عليه وسلم منذ نعومة أظفاره ،

فنشأ على سلامة الفطرة ، ونقاء القلب ، حنيفاً مائلاً عن الشرك ،

وتكفي إطلالة سريعة على سيرته الكريمة قبل البعثة وبعدها ،

لتعرف كيف حماه ربّه من الوقوع في براثن الشرك ،

وكيف صانه من هيمنة المنهج الجاهلي المنحرف .

ويأتي في مقدم ذلك ، استنكافه صلى الله عليه وسلم عن وثنيات قومه ،

وتعظيمهم لآلهتهم التي كانوا يعبدونها ،

ويتوجّهون إليها بالدعاء ، ويجعلون لها النذور ،

ويقدّمون لها القرابين المختلفة ،

ويذبحون لها الأنعام .

ومن الروايات التي تؤكّد هذه العصمة ،

ما جاء في صحيح البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ،

أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم

يحدث أنه لقي زيد بن عمرو بن نفيل بأسفل " بلدح " ،

وذلك قبل أن ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي ،

فقُدِّمت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سفرة فيها لحم ،

فأبى أن يأكل منها ثم قال :

( إني لا آكل ما تذبحون على أنصابكم ،

ولا آكل إلا مما ذكر اسم الله عليه ) .

وفي هذا الصدد ،

لجأ أعداء الإسلام إلى روايات تعارض الحادثة السابقة ،

فاتخذوها سلّما للطعن في رسول الله صلى الله عليه وسلم ،

ونقض ما تقرّر من هذه العصمة الإلهية .

وكان مستندهم في ذلك ، روايات توهم أن النبي صلى الله عليه وسلم

قد أكل مما ذُبح على تلك الأنصاب ،

وأخرى نسبت إلى النبي صلى الله عليه وسلّم

الأمر بالذبح لغير الله تعالى .

ومن المعلوم أن روايات التاريخ فيها الصحيح والضعيف ،

وفيها الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ،

وأخرى وقع فيها الوهم أو الخلط من راويها ،

الأمر الذي جعل علماء الحديث يفنون أعمارهم في تمييز الحق وإثباته ،

والكشف عن الباطل والتحذير منه ،

ولا سبيل إلى معرفة ذلك إلا بالنظر في أسانيد الروايات ومراجعة متونها .

فأما ما يتعلّق بأكله مما ذُبح على النصب ،

فقد روى الإمام أحمد في مسنده و الطبراني في معجمه ،

و البزار في مسنده ، وذكر الرواية الإمام الهيثمي في مجمع الزوائد ،

كل ذلك من طريق المسعودي حيث قال : حدثنا نفيل بن هشام عن أبيه ،

عن سعيد بن زيد رضي الله عنه قال:

" مر زيد بن عمرو بن نفيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه زيد بن حارثة ،

فدعواه إلى سفرة لهما فقال : يا ابن أخي إني لا آكل مما ذبح على النصب ،

قال : فما رؤي رسول الله صلى الله عليه وسلم

بعد ذلك اليوم أكل مما ذبح على النصب .

إن الزيادة الموهمة في الرواية السابقة :

" فما رؤي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك اليوم أكل مما ذبح على النصب

" معلولة لا تصحّ عند أهل الحديث ، وآفتها المسعودي ،

واسمه عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي ،

فهذا الراوي قد اختلط في آخر حياته ،

حتى إن الإمام أبو حاتم البستي قال عنه في كتاب " المجروحين " :

" وكان المسعودي صدوقاً ، إلا أنه اختلط في آخر عمره اختلاطا شديدا حتى ذهب عقله

، وكان يحدث بما يجيئه فحمل ،

فاختلط حديثه القديم بحديثه الأخير ولم يتميز ،

فاستحق الترك " .

ثم إن الحديث عن المسعودي قد رُوي بلفظين مختلفين ،

فقد جاء في رواية أبي قطن بلفظ :

" وما رؤي رسول الله صلى الله عليه وسلم آكلا مما ذبح على النصب " ،

فهذه الرواية تنفي عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الفعل مطلقا ،

سواء أكان قبل لقائه ب زيد أم بعدها ، يقول الإمام الذهبي :

" فهذا اللفظ مليح يفسر ما قبله ،وما زال المصطفى محفوظا محروسا قبل الوحي وبعده " .

ولئن سلمنا من هذه العلّة ، فلن نسلم من العلة التي تليها ،

وهي جهالة حال نفيل بن هشام بن سعيد وأبيه ،

: قال صاحب " تعجيل المنفعة " : نفيل بن هشام :

روى عنه وكيع ، وقال يحي بن معين : لا أعرفه ) ،

وأبوه لم يوثّقه غير ابن حبان كعادته في توثيق المجاهيل ،

والحاصل أن هاتين العلتين مما توجبان ردّ هذه الرواية وعدم قبولها .

وننتقل إلى الكلام عن الرواية الثانية ،

وهي التي رواها البزار في مسنده ، و النسائي في سننه الكبرى ،

وذكرها الإمام الذهبي في السير ،

من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة بن عبد الرحمن و يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب

عن أسامة بن زيد عن زيد بن حارثة رضي الله عنه قال :

" خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مردفي إلى نصب من الأنصاب ،

فذبحنا له شاة ثم صنعناها له ، حتى إذا نضجت جعلناها في سفرتنا .....-

إلى أن قال - وأناخ رسول الله صلى الله عليه وسلم البعير الذي تحته ،

ثم قدمنا إليه – يعني إلى زيد بن عمرو بن نفيل - السفرة التي كان فيه الشواء ،

فقال : ما هذا ؟ ، قلنا : هذه الشاة ذبحناها لنصب كذا وكذا ،

فقال زيد بن عمرو : إني لا آكل شيئا ذُبح لغير الله . ثم تفرقنا ،

وكان صنمان من نحاس يقال لهما "إساف ونائلة " ،

فطاف رسول الله صلى الله عليه وسلم وطفت معه ، فلما مررت مسحت به ،

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لا تمسه ) - وفي مسند أبي يعلى :

( لا تمسحهما فإنهما رجس ) - وطفنا ، فقلت في نفسي :

لأمسنه أنظر ما يقول ، فمسحته ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

( لا تمسه ؛ ألم تنه ؟ ) . قال : فوالذي أكرمه وأنزل عليه الكتاب ،

ما استلم صنما حتى أكرمه الله بالذي أكرمه وأنزل عليه الكتاب " .

ونلحظ في الرواية السابقة ما يلي :

أولا : أن في سند هذه الرواية محمد بن عمرو بن واقصة الليثي ،وقد قال فيه الحافظ :

" صدوق له أوهام " ، وقال الجوزجاني وغيره :" ليس بقوي " ،

بل قال الإمام الذهبي عنه في معرض كلامه عن هذه الرواية بعينها :

" لا يحتج به " .

ثانياً : أن الزيادات التي وردت في هذا الحديث هي زيادات منكرة ،

ويدلّ على ذلك الأوجه التالية :

الوجه الأول : كيف يصحّ أن يُنسب إلى النبي صلى الله عليه وسلّم

الأمر بالذبح لهذا النصب ، وفي الحديث ذاته ينهى مولاه زيد

عن فعل أدنى درجات التعظيم للنصب ،

وهو مسّ النصب ، ثم تعليله لذلك بأنها رجس ؟ ،

ولذلك يقول الإمام الذهبي :

" وكيف يجوز ذلك وهو عليه السلام قد منع زيدا أن يمس صنماً ؟ ،

وما مسه هو قبل نبوته ، فكيف يرضى أن يذبح للصنم ؟ ،

هذا محال " .

الوجه الثاني : جاء في مسند الإمام أحمد عن جار ل خديجة رضي الله عنهما ،

أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول ل خديجة :

( أي خديجة ، والله لا أعبد اللات أبدا ، والله لا أعبد العزى أبدا ) ،

قال : فتقول خديجة : " خلّ العزى " ،

فهذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم

ما عُرف من حاله ولا مقاله تعظيمه للنصب على أي وجهٍ كان .

الوجه الثالث : هذه الزيادات التي وردت في هذه الرواية

تخالف سرد القصة عند الإمام البخاري ،

فقد جاءت رواية الإمام البخاري لتفيد أن النبي صلى الله عليه وسلّم

هو الذي أبى أن يأكل مما ذُبح على النصب ، كما تقدّم في بداية البحث ،

وهذه الرواية هي التي ينبغي أن نعوّل عليها ؛

لأننا نعلم أن الأمة قد أجمعت على تلقّي هذا الكتاب بالقبول ،

كما ذكر ذلك غير واحد من الأئمة ، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية :

" فليس تحت أديم السماء كتاب أصح من البخاري و مسلم بعد القرآن " ،

ولأننا نعلم مدى عناية الإمام البخاري في اختياره لأحاديث كتابه ،

فقد انتقى تلك الأحاديث من حوالي ستمائة ألف حديث يحفظها ،

وكان يصلّي ركعتين عند كتابة كل حديث ، حتى أتم كتابه خلال ستة عشر سنة ،

يقول الإمام البخاري في ذلك : " صنفت الصحيح في ست عشرة سنة ،

وجعلته حجة فيما بيني وبين الله تعالى " ،

ولم يكتف بذلك ، بل عرض كتابه على كبار الأئمة في زمانه ،

فاستحسنوه وأشادوا به ، والكلام في البخاري وكتابه يطول ،

وحسبنا أن نشير إلى بحث تم بسط المقال فيه عن ذلك بعنوان :

" الدفاع عن الصحيحين دفاع عن الإسلام " ،

والمقصود أن وجود مثل هذا الاختلاف مع اتحاد القصة يفيد نكارة مثل هذه الزيادات .

فالثابت قطعاً أن النبي صلى الله عليه وسلم ما ذبح لصنم قط ،

وما أكل مما ذُبح تعظيماً لآلهة باطلة ،

وبذلك تكون هذه الحادثة شاهداً جديداً على الكمال الذي وصل إليه النبي صلى الله عليه وسلم ،

والعصمة التي جعلته بمعزل عن كل ما يُستقبح ،

والله الموفق .



cheers



Al_maroof
Al_maroof
نائب مدير
نائب مدير

اوسمتي منتدي عبير الاسلام
مساهماتي : 14235
نقاطي : 22524
تسجيلي : 30/10/2011
مزاجي مزاجي : محتسب وحامد لربي

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى