عبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــير الإســـــــــــــــــــــــــــــــــــــــلام
اهلا بك في منتديات عبير الاسلام
نحن نلتقي لنرتقي ونعمل جاهدين لرفعة الاسلام
ايها الزائر الكريم نحن ندعوك للتسجيل معنا
عبير اسعد

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

عبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــير الإســـــــــــــــــــــــــــــــــــــــلام
اهلا بك في منتديات عبير الاسلام
نحن نلتقي لنرتقي ونعمل جاهدين لرفعة الاسلام
ايها الزائر الكريم نحن ندعوك للتسجيل معنا
عبير اسعد
عبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــير الإســـــــــــــــــــــــــــــــــــــــلام
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

دموع بلا نهايه

2 مشترك

اذهب الى الأسفل

دموع بلا نهايه Empty دموع بلا نهايه

مُساهمة من طرف السيد حسن2 الأحد 08 يوليو 2012, 10:35 pm

جلستْ الأم في فناء البيت تنتــظر عودة الأب من العمل كعادتها، ليس لها ما تهتم به إلا زوجها و ولديها الصغيرين سارة و محمد الدرة.
دخل الأب مساءا متعبا بعد طول يوم من الكد و الجهد لتسأله أسئلتها التي ترددها على مسامعه كل يوم ...الصحة، حال البلد و غيرها من الأسئلة الروتينية، لكنها أومأت إليه هذه المرة على غير عادتها بقلق متزايد فتقدم نحوها قائلا : خير إنشاء الله
قالت له : اليوم ليلة المولد النبوي يا رجل.. لا بد أن لا تدعه يمر كسائر الأيام
يجيب الأب قائلا : إلى أين تريدين أن نذهب؟
الجو الأمني في البلد ليس على ما يرام
لا أدري ماذا يحدث "ربي يجيبها على خير"
تضيف الأم : غدا يوم عطلة و طفلتنا سارة لا بد لها أن تخرج لقد حبسناها منذ مدة في البيت
الأب : ماذا أفعل يا إمرة، الجو غير مناسب
لا ..لا لابد أن نخرج سئمنا المكوث هنا ترد الأم
الأب : غدا يرحمها ربي
الأم : في هذا الشهر ستكمل أميرة عامها الثامن
انتبهت الطفلة و قالت سأصبح عروسا، أليس كذلك يا أمي؟
ضحكت الأم و قالت : أنت أميرة هذا البيت بلا شك يا عمري
وقفت أميرة أمام المرآة في هذه اللحظة تصفف شعرها الأسود المنسدل كالحرير الناعم و هي تقلب النظر المرة تلو الأخرى في وجهها ثم وجهت كلامها لأمها
و هي تضحك ألستُ جميلة يا أمي ؟
آه بلى يا روحي ...أنت فاتنة، تجيب الأم
تلقي أميرة بنفسها بين ذراعي أمها لتقبلها
تضمها الأم بشدة و تُتَمتِم في أذنها ... ستكونين بخير يا بنيتي.
لقد شعرتْ الأم و هي تحضن ابنتها بشيء غريب و وحشة عارمة تقطع أنفاسها
كانت القبلة التي رسمتها على جبينها و الدموع التي سالت من عينيها رسائل تحمل معاني الغربة عن الوطن و الحب الذي تضمره للزوج و عاطفة الأمومة التي تختزل الحياة كلها و التي لا تستطيع العيش بدون أميرة و محمد الدرة الذي بلغ الآن السنتين من العمر.
كانت الأم من فلسطين التقتْ بأحمد في إحدى الجامعات الجزائرية، أحبها و أحبته، فتزوجا بعد التخرج و أنجبا ولدين.
اجتمعت العائلة الصغيرة بعد العشاء في بهو المنزل، الأب موجه نظره إلى التلفاز منشغلا بأحداث العالم العربي في قناة عربية إخبارية
الأم تحظر الشاي، أميرة تلاعب أخاها الذي علا صراخه.
فجأة تتقدم أميرة إلى أبيها لتطلب منه أن يقص لها سيرة مولد رسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم.
أبي أرجوك إنها ليلة ذكرى مولد سيدنا محمد، أحب أن أسمع شيئا عن سيرته، تتقدم أكثر نحوه تجلس بجانبه تنظر إلى التلفاز تسأله ماذا يحدث؟
لماذا هذا التجمهر الكبير من الناس في هذه الساحة يا أبي؟
يجيبها الأب : إنه الشعب المصري
أميرة : ماذا يريد يا أبي ؟
الأب : الحرية
أميرة : الحرية ؟!..ما معنى الحرية يا أبي؟
يسكت الأب و لا يجيب
يمر الوقت و هي تأمل من الأب أن يهتم بها لكن دون جدوى، تتعالى الأصوات من جديد و ترتفع طلقات المدافع و الرشاشات
تسأل ثانية :
ما هذا يا أبي ؟
الأب : إنها الحرب
أميرة : الحرب !! إنهم يتكلمون العربية يا أبي، هل دخل العدو الإسرائيلي على دولة عربية ؟
الأب : لا.. لا يا بنيتي ..إنهم الليبيون.. الليبيون يتقاتلون
أميرة : لماذا يتقاتلون ؟
الأب : لا تكثري الأسئلة
يمر شريط الأحداث.. الأب يحاول أن يبعد ابنته .. اذهبي إلى أخيك إنه يبكي سأقص عليك الحكاية بعد قليل، تصر على الجلوس، تأتي الأم تقدم الشاي للأب..يمر شريط آخر
ارحل ...ارحل..ارحل
ارحل... ارحل يا بشار
تسأل البنت أمها : مَنْ بشار يا أمي؟
تجيب الأم : إنه رئيس جمهورية سوريا العربية
أميرة : إلى أين يرحل.. أليس هو سورياً ؟
الأم : بلى.. لكن ...
لكن... ماذا يا أمي ؟
الأم : أسكتي أنت تكثرين الأسئلة
تصر أميرة عن السؤال: ماذا فعل ليرحل؟
الأم تجيب باقتضاب : إنً شعبه في خلاف معه
أميرة لا تفهم شيئا مما قيل، تَـتـَدخل الأم .. تغلق التلفاز.. تقول بنبرة حادة كفى سياسة، يقوم الأب من مكانه يتجه لمكتبته .. يأخذ كتابا من كتب السيرة .. ينادي على أميرة لتجلس أمامه.. يبدأ الأب في سرد القصة..
ولد محمد صلى الله عليه وسلم في عام الفيل في مكة المكرمة على الأرجح.. يوم الاثنين لاثـنتي عشرة خلت من شهر ربيع الأول، و لقد ولد يتيما، فقد مات أبوه عبد الله و أمه حامل به لشهرين فحسبْ، فعنيَ به جده عبد المطلب و استرضع له – على عادة العرب إذ ذاك- امرأة من بني سعد يقال لها حليمة السعدية، تقاطعه أميرة قائلة : إنه سيء الحظ يا أبي
يجيب الأب : لا تقولين كذلك يا بنية بل قولي إنه قدر مٌقدر عليه من رب العالمين، فما إن صار في منزل حليمة و استكان إلى حجرها و ثديها حتى عادت منازلها من حول خبائها مخضرة فكانت أغنامها تروح منها عائدة إلى الدار ممتلئة الضرع، و قد حصلت له أثناء و جوده في بادية بني سعد (حادثة شق الصدر) تقاطعه مرة أخرى و تسأله ما معنى شق الصدر؟ هل أدموه؟ هل ذبحوه ؟
يجيب الأب : لا.. يا بنيتي إنها معجزة من الله فقد جاء جبريل عليه السلام ففتح صدره و أخرج ما كان في قلبه من شوائب لكي يستعد لحمل رسالة الإسلام،
ومن هذا جبريل يا أبي ؟
إنه ملك من الملائكة المقربين يجيب الأب
آه فهمت الآن... تعقب أميرة على كلام أبيها
يكمل الأب القصة و ما هي إلا لحظات حتى مال رأس الابنة على صدره و استسلمت للنوم و علا شخيرها، أشار للأم أن تأتي.. حملتها و وضعتها في فراشها كالملاك و طبعت على خدها قبلة حارة و أغلقت الباب دونها، و هي تهم بالخروج سمعتْ صوتا خافتا يناديها.. أماه
رجعتْ أدراجها مسرعة قالتْ : ماذا يا كبدي ؟
رجاءا أمي نامي بجانبي لا أريد أن أكون وحدي هذه الليلة
الأم : ها أنا ذا لا تخافين
دخلتْ الأم الفراش و قرًبت ابنتها منها حتى التصق جسميهما و شعرا كُلاً منهما بحرارة الآخر، ثم ما لبثتْ أن جالتْ بذاكرتها في الماضي البعيد، ورحلتْ عن غرفة ابنتها إلى غرفة شقيقاتها عبر رحلة طويلة من الذكريات..ذكرياتها هي مع طفولتها..لقد غاصت في ماضيها و وجدت نفسها تستعيد لحظات هذه المناسبة مع أمها و أخواتها في مخيم الشتات بسوريا.. كان يوم المولد بقدر ما يتيحه لنا من فرص اللعب و الأكل و زيارة الأقارب بقدر ما كُنَا نرى فيه مرارة الحياة و ضيم العيش و قلة الحيلة ، كل شيء في المخيم يذكرك بالبأس.. ضيق الغرف .. ندرة المياه .. الشوارع المزدحمة ، البطالة و الفقر المتفشي بين الناس، لقد فررنا بجلودنا من عصابات الموت لنجد أنفسنا في العراء بلا مأوى تحت طائلة الأونروا
ما أسرع مرور الأيام.. و ما أسرع تقلبات الزمن ؟
انتبهت اميرة لأمها و خاطبتها: ما يشغلك يا أمي و يبكيك؟
الأم : لا شيء
أميرة : هل نستطيع زيارة فلسطين يا أمي ؟
الأم : لا يمكن
أميرة : لماذا ؟
الأم : لأني احمل الجنسية السورية
أميرة : رأيت جواز سفرك إنه مستخرج من ولاية الجزائر
الأم : أحمل كذلك جنسية والدك
سارة : تحملين جنسيتين و لا تستقطعين دخول فلسطين؟!.. هذا غريب
الأم : هذه مأساتنا يا بنية
لقد نزح جدك بعد نكبة 1967 إلى سوريا و خيم مع عائلته الكبيرة في مخيمات اليرموك، وانتسب بعدها إلى المقاومة الفلسطينية بقيادة أبو عمار في بدابة السبعينات و خاض مع رفقائه جولات و صولات لسنين طويلة ضد العدو الإسرائيلي حتى استشهد على حدود فلسطين المتاخمة لجنوب لبنان مقبلا غير مدبر حاملا رشاشه بيمينه رافعا علم فلسطين بيساره، و ها هو ذا خالك أبو الوليد ينتسب لكتائب عز الدين القسام مرابطا على حدود غزة حاملا الراية بدوره عن أبيه ليسلمها إلى الأجيال القادمة حتى تحرير فلسطين من البحر إلى النهر.
لقد اختفت الابتسامات يا بنيتي... و لم يبق إلا الحزن يخيم على تلك الديار إلى أن يأذن الله بالفرج.
لقد حَارَبنا العدو في كل شيء ...
في الأرض
في المقدسات
في التاريخ
في الحياة كلها
لم يترك لنا من ماضي حياتنا إلا المآسي ومن قابل أيامنا إلا التشرد.
أميرة : أنت مع أبي الآن يا أمي لا تخافي ... لن يصل إليك العدو.
قبلتها ثانية و قالت لها : نامي يا روحي غدا يوم جديد يحمل تباشير العيد السعيد مولد سيد الأنام الذي صلى بالأنبياء في بيت المقدس ليلة الإسراء و لعل ببركته و بركة صلاته تعود لنا الأرض و نصلي معاً ذات يوم في باحات الأقصى...
سارة : إنشاء الله يا أمي و لا نـنسى أن نأخذ أخي محمد الدرة معنا
الأم تضحك.
حاولت الأم أن تخرج من هذه الرحلة و تدفن هذا الأنين الذي يلاحقها في كل لحظة و في كل حين، قامت من سرير ابنتها و اتجهت نحو غرفتها لتجد زوجها يغط في نوم عميق.. تنظر في وجهه الجميل تقبله على جبينه و تخاطبه.. لولا حبك يا أحمد لما بقيت هنا لحظة واحدة.
قامت مبكرة كعادتها تاركة فراشها و بدأت تستعد لاستقبال اليوم الجديد
شغلت نفسها بإعداد فطور الصباح و هي تفكر ما الذي يمكن أن تشتريه لأميرة بمناسبة هذا اليوم و قد وعدتها مرات عديدة بأن يتسوقا معا و يشتريان هدايا ولعب، لكنها لا تلبثْ حتى يعاودها هذا الإحساس المرير الذي يعتصر منه قلبها و لا يكاد يبرح فكرها فتسأل نفسها كيف هم أطفال غزة و المخيمات الآن ؟
أهم في العراء ؟
أهم بدون أكل ؟
أهم حفاة ؟
من يشتري لهم الهدايا ؟
و ما وجدوا من قبلُ دواءا و لا ماء
رحمتك يا إلاهي !!
و ما هذه الحرب الملعونة التي تدور رحاها هذه الأيام بين أبناء الوطن الواحد و المدينة الواحدة و الضيعة الواحدة .. لقد أصاب القوم مس من جنون.
حاولتْ و هي توقظ ابنتها أن تـنزع عن خيالها هذه الصور المؤلمة.. لكنها لم تفلح و غلبتها دموعها فأشاحت بوجهها يمينا قبل أن تراها وهي تهم بأخذها بين ذراعيها فتعكر عليها صفاء ذلك اليوم ...كفكفت دموعها .. و قالت بعد الفطور سوف نبدأ رحلتنا في المدينة للتسوق و شراء الهدايا.
أميرة : كما تشائين يا أمي
و نزلا إلى الشارع بعدما اعتذر الأب عن الخروج معهما لوعكة أصابته و لم يجد بد من المكوث في البيت وانتظار محمد الدرة الذي لم يستيقظ بعدُ .. واتجها مباشرة إلى سوق المدينة .. و دخلا محلات بيع ألبسة الأطفال و راحت تنتـقي من الهدايا و اللباس و الألعاب الشيء الكثير..
الأم : هل هذا يعجبك يا حبيبتي؟
- نعم يا أمي...
الأم : كم اشتري لك من نوع ؟
- كما تريدين يا أمي
أميرة : أحب هذا اللون إنه جميل جدا ...ألا يعجبك اللون الأحمر ؟
يا عيون أمي اختاري ما يعجبك كل الألوان تليق عليك
و ماذا نشتري لمحمد إنه يبكي الآن ربما أزعج أبي
الأم : بالون ..شموع ..حلويات ..شكولاطة ...بسكويت..
آه نسيت قليلا من البخور و الطيب و المكسرات
جيد يا أمي تعلق سارة و تردف قائلة :
ألا نشتري بعض الهدايا لجدتي و نزورها يا أمي؟ .. قد تفرح
الأم : شكرا بنيتي الواجب أن نزورها ليس لها إلا نحن في هذه المدينة و قد رحل عليها جدك الشيخ السعيد من قريب
أميرة : ماذا نختار لها ؟
الأم : قطعة قماش ربما حذاء و هدايا أخرى اختاريها أنتِ بنفسك
أميرة : نعم سأختار لها أشياء تعجبها .. الجدة تحب الفاكهة
الأم : بلى
استأذنت الأم زوجها عبر هاتفها النقال بالسماح لها بزيارة والدته، فإذن لها و شجعها بل و شكرها على ذلك.
كانت الجدة "الــيـــامنة" تسكن أطراف المدينة في بيت متواضع تحيط به حديقة جميلة تحوي أشجارا مثمرة و نباتات مختلفة و أصنافا متعددة من أزهار البنفسج والريحان وأنواعا جذابة تأخذ بالأبصار من نبات الياسمين الذي يملأ المكان جمالا و عطرا و أحواضا مزركشة بالأوراق و الأغصان المتدلية تختلط بالمياه الراكدة و السواقي الجارية فتلونها بألوان بديعة خضراء و صفوفا من المزهريات و أشجار الزينة تحف الشوارع الضيقة المؤدية إلى المربعات المغروسة بشتى الخضر و البقول، و يجلبك انتباه ضوضاء العصافير المزدحمة التي تعج بالمكان بعشرات الأنواع محدثة جلبة كبيرة و ضجة.
ركبا سيرة أجرة واتجها نحو بيت الجدة و ما هي إلا دقائق حتى كانا بالباب طرقاه ففتحته لهما .. و ما كادت تلقاهما حتى أجهشت بالبكاء ...و مدت الجدة ذراعيها لتحتضن الطفلة وأمها، و قالت في صوت رقيق حزين:
ما هذا الغياب الطويل.. موجهة الخطاب لأميرة لقد اشتقت إليكم كثيرا
أين أحمد ؟ ألم يأتي ؟ آه ما أقساه من ولد عاق .. كان لا يتخلف عني يوما واحدا و ها هو يمر الأسبوع و الأسبوعان و لا أرى له أثرا
و أين تركتم محمد الدرة ؟
الأم تجيب : في البيت مع أبيه
و هل أحمد في البيت ؟ .. لماذا لم يأتي ؟ ..هل هو مريض؟
الأم : لا.. ليس مريضا
أميرة : إنه يعاني من وجع في ظهره
الأم : اسكتي أنت
الجدة : إنه إحساس الأم بل هو مريض
الأم : لا.. إنه أمر بسيط لا تقلقي يا خالة
قدما لها الهدايا بعدما دعتهما إلى الدخول و ذهبتْ لتعد لهما ما حضر لديها من إكراميات، جالتا أعينهما في تلك القاعة الكبيرة فلم تريا أشياء تذكر إلا من أثاث قديم و خزانة علاها الغبار وقد وُضع في أعلاها صورتين متقابلتين إحداها للشيخ سعيد زوجها المتوفى و صورة أخرى لابنها الوحيد أحمد فلذة كبدها.
مسكينة الجدة إنها تبكي زوجها صباح مساء، لقد تركها وحيدة لا أنيس لها في هذا المكان تعلق الأم ، تأتي الجدة حاملة صينية من المشروبات التي أعدتها بنفسها من ثمار الحقل و هي تقول :
رجاءا يا بنية لا تتركاني طويلا دون زيارة فالوحدة تقــتــلني هنا و قلبي ينفطر على فراق الشيخ السعيد زوجي الحبيب الذي عشتُ معه أكثر من خمسين سنة و من غياب أحمد الذي أرى أن الدنيا شغلته عني.
دمعتْ عينا الأم من هذا الكلام و قد تذكرتْ والدتها و إخوتها الذين لم ترهم منذ أكثر من خمس سنوات، تقدمتْ نحوها و أخذتْ يدها و لثمتها بشفتيها وقالتْ لها بلسان الواثق : لا .. والله لا يحدث هذا أبدا يا خالة ..اعتبريني ابنتك و سأكون معك كلما سمحتْ لي الظروف، لكن لماذا لا تأتي لتعيشين معنا ؟
الجدة : شكرا ...لقد ألفتْ المكان.. و ترعرعتُ هنا ..و ذكرياتي مع زوجي مغروسة هنا .. فمن هذا الذي يستطيع أن يقتلعها، ففي كل شبر من هذه الأرض ذكرى صنعتها بيدي.
تركتْ الأم الجدة و ابنتها و خرجت إلى الحديقة .. شيء ما يدفعها للإنفراد بنفسها .. لا تدري سبب هذا الانقباض تريد أن تطلق لنفسها العنان و تبكي.. مشتْ و هي تُحَدِث نفسها.. لقد شهد هذا المكان أول حُب عرفته في حياتي ...يوم التقيتُ بأحمد، كان مثالا للرجل الشهم ...أعجبني فيه كل شيء.. أخلاقه، وقاره، طيبة قلبه، كان الأول في الدراسة و لُقب – بالملك- لأنه كان يتربع على عرش الكلمة و عرش الأخلاق و عرش النقاط ...لقد تهافتت عليه فتيات كثيرات ..لكن فزتُ أنا بقلبه ..
أخذني من يدي ذات يوم و جاء بي إلى هذا المكان في هذه الحديقة و قدم لي أغلى و ردة بأحلى لون ...أنها وردة البنفسج المفضلة لديه.
قال لي حينها : كنتُ دائما أفكر في تلك الفتاة التي ستشغل حيزا من فراغ قلبي فأَهبها أحلى وردة في مدينتي الحالمة، وتشاء الأقدار أن تكوني أنتِ ...هي وردةُ أول لقاء...وأول حب... و أول خطوة نحو السعادة ...و كُنتِ أنتِ يا عبير من فاز بالوردة التي طالما أحببتُها و بالقلب الذي طالما حلم بحبٍ كحبك وجمال أدبي و مادي كجمالك.. فهنيئا لي و لك.
إني لأذكر تلك الأيام التي كنا نقضيها معا في هذه الحديقة بعد فترة الخطوبة، و تلك السعادة التي صنعنا لها أجنحة من الآمال و الأحلام ..و طرنا في سماء الأنس و الحب..فكان ما كان ...
و ها هما أميرة و محمد يدُبان في الأرض التي عرفتْ أول لقاء
لقائي بأحمد ...أطهر زوج و أوفى رجل، تقف على بركة من برك الماء، تقطف وردة لتشتمها، تهم بالجلوس، تأخذ المنديل من حقيبتها، و إذا بها تسمع رنه الهاتف النقال..تنظر .. تركز.. إنه رقم والدتها من سوريا تفتحه على عجل...ألو...ألو من معي ...أمي؟...أمي؟
آه نعم أمي..تسبقها دموعها.. يطير قلبها فرحا
كيفك يا أمي ...توحشتك كثير ...كثير
ترد والدتها : و أنا كذلك يا ماما ...قلبي يحترق عليك
كيف صحتك، زوجك و أولادك
عبير : بخير و الله بخير يا أمي...أنا من تحترق لفراقك ..أنا من يتفتت كبدها لبعدك ..
أه لو تعلمين يا أمي مقدار شوقي إليك و لأخوتي و أخواتي
كيف هم ..هل هم بخير ؟
الأم : لم أرهم منذ مدة طويلة بسبب هذه الفتنة ...صَعُبَ الالتقاء و الزيارة
عبير : كيف هو أخي أبو جهاد ؟
لا أعلم عنه شيئا منذ بداية الأحداث..أنا في حيرة كبيرة من طول غيابه، نحن نعيش الحريق بكل ما تعنيه الكلمة من معنى لقد اختلط الحابل بالنابل.. كثيرا من الشباب غادروا المخيم لا نعلم لهم خبرا...التواصل صعب..الله يحفظ بلدنا يا رب...
عبير : هل صحتك تمام ؟
الأم : أفضل يا أمي ...أفضل.. لكني قلقة، أنا الآن أعيش وحيدة بعد اختفاء أبو جهاد
عبير: و كيف هو أخي أبو الوليد هل من خبر من غزة ؟
تـتــنهدُ الأم ..يخفتُ صوتها ..تَسمعُ لها حشرجة و أزيز يصعد من صدرها ...تسكتْ لا ترد
عبير : أمي ما بك ؟ هل هناك ما يُؤرِقْ ؟ أرجوك يا أمي.. أجيبيني ؟ هل حدث مكروه لأخي أبو الوليد؟
تسمع عبير بكاءها ...
تسألها ثانية : ماذا حدث يا أمي ؟
تجيب الأم بصعوبة : نعم يا ماما لقد استشهد أخوك في غارة إسرائيلية قبل أسبوع و لم أعلم بالخبر إلا ليلة البارحة، حيث جاء المعزون و قدموا لي التهاني و التبريك و قد نشروا رسالته الأخيرة التي كان قد كتبها لي قبل استشهاده في مواقع التواصل الإجتماعي.
لم تتمالك عبير نفسها من هول الصدمة.. سقطت مغشية عليها ثم فقدت وعيها
الأم : ألو ماما .. عبير ...عبير ...ألو ...ألو .. ماذا جرى ؟
الأم لا تسمع شيئا ..تسقط هي بدورها و ينقطع الاتصال.
أميرة تفتقد أمها فتسأل جدتها : أين أمي ؟
الجدة : تكون قد خرجت للحديقة للتنزه
هيا بنا لنلتحق بها..و ما هي إلا لحظات حتى و جدتاها ملقاة على الأرض ترتعش مصفرة الوجه لا تحرك ساكنا ..
الجدة ما بك ؟ .. ؟ عبير بنيتي ما أصابك ؟
لكنها لا ترد ..تسرع الجدة إلى خارج الحديقة تنادي أحد الجيران ...السيارة أرجوك .. يأتي الرجل .. يحملا المرأة .. إلى المستشفى مباشرة من فضلك تقول الجدة للسائق .
في الطريق تنتبه عبير تقوم و هي تهذي أمي ...أمي
الجدة : أنتِ لستِ على ما يرام سنأخذك إلى المستشفى
عبير : لا .. أنا بخير .. لا أريد الذهاب للمستشفى .. رجاءا خالتي خذيني للبيت
تصل السيارة تترجل عبير و هي في حالة من الذهول ..ترافقها الجدة آخذةً بيدها ..يَصِلُوا جميعهم .. يُفتح الباب .. أحمد يجد نفسه وجها لوجه مع زوجته ..ينظر إليها و إذا بها تعود بغير الوجه الذي ذهبت به.. ماذا جرى؟ ...يسأل والدته
الجدة : لا أدري
أحمد : نأخذها إلى الفراش
عبير: لا تقلق يا أحمد .. سأكون بخير .. دعوني أنام فقط
يقف أحمد عند رأسها لم يغادر فراشها يتساءل ماذا جرى لزوجته..الجدة تروح و تجيء في حيرة من أمرها ..أميرة تبكي و قد انقلبت فرحتها بالهدايا إلى حزن على أمها .
تنام حتى المساء تستيقظ وقد استعادت عافيتها .. الجميع أسرعوا إليها وسألوها: ماذا جرى ؟
تنظر إلى زوجها تغرورق عيناها بالدموع تقول له : لقد استشهد أخي أبو الوليد منذ أسبوع و قد أخبرتني أمي هذا الصباح ..
أحمد : الحمد لله لقد نال الشهادة التي كان يطلبها ..هنيئا لكم
الجدة : مبروك...إنها الشهادة في سبيل الله ...ما أعظمه من وسام و ما أجلَه من قدر.. كُنا في أيام الاستعمار الفرنسي حين يستشهد أحدنا نستقبله بالزغاريد، إنها ضريبة الحرية يا بنيتي فلا تجزعي..
يضيف أحمد مستذكرا مقاومة الشعب الجزائري : نعم يا عبير.. لقد عاش الشعب الجزائري أطول فترة استعمار في الزمن الحديث لمدة تجاوزت القرن و ثلاثين سنة ناله من ويلات الظلم و التشرد و المهانة ما لا يعلمه إلا الله، فقد كان الاستعمار الفرنسي يهدف إلى إلغاء الوجود المادي والمعنوي للشعب الجزائري، وأن يكون هذا البلد تابعًا له، لذلك تعددت وسائل الفرنسيين لكسر شوكة الجزائريين وعقيدتهم ووحدتهم، إلا أن هذه المحاولات تحطمت أمام صلابة هذا الشعب وتضحياته وتماسكه، فقد بدأ الفرنسيون في الجزائر باغتصاب الأراضي الخصبة وإعطائها للمستوطنين الفرنسيين، ثم محاربة الشعب المسلم في عقيدته، فتم تحويل كثير من المساجد إلى كنائس أو مخافر للشرطة أو ثكنات للجيش، بالإضافة إلى ما ارتكبوه من مذابح بشعة، أبيدت فيها قبائل بكاملها.
لكن الشعب لم يستسلم حيث بدأت المقاومة ضد الاحتلال مع بداية نزوله أرض الجزائر، وكان أقوى حركاتها حركة الجهاد التي أعلنها الأمير عبد القادر الجزائري واستمرت خمسة عشر عامًا، استخدم فيها الجيش الفرنسي كل وسائل الإبادة ضد الجزائريين، فما تنطفئ ثورة حتى تشتعل أخرى ، و انتهجت فرنسا سياسة الإبادة التامة و الأرض المحروقة لتصفية المقاومة، وفقدان الشعب لقياداته التي استشهدت أو نُــفــِيتْ إلى الخارج، وسياسة الإفقار والإذلال التي اُتُبِعتْ مع بقية الشعب.
و استمر الشعب في مقاومته حتى اندلاع ثورة التحرير الوطني الشاملة في غرة نوفمبر من عام 1954، حيث قَدًمَ الشعب أكثر من مليون و نصف شهيد على مذبح الحرية بعد سبع سنوات من الجهاد و الكفاح المسلح، حتى نال استقلاله و رُفعتْ رايته و سُمِعَ صوت الآذان على منارات مساجد الجزائر يردد ..الله اكبر..الله أكبر
و خرج الشعب عن بكرة أبيه يهتف : "يا محمد مبروك عليك الجزائر رجعت ليك "

كان يهدف أحمد من استرساله في ذكر مناقب ثورة التحرير الجزائرية إلى تثبيت فؤاد.. عبير.. محاولا من خلال ذلك أن يفهمها بأن استرداد الأوطان ليس بالشيء السهل و إنما دونه تضحيات و ألام و عقبات، في هذه اللحظة تهمس عبير في أذن زوجها و تخبره بأن رسالة أبو الوليد منشورة في أحد المواقع، طالبة منه أن يستخرجها و يقرأها على مسامعها ، فقال لها : سأنزلها لك في الحال يا حبيبتي
و إذا مكتوب فيها ما يلي:

أمي الحبيبة :

من أرض الرباط على تخوم أرض فلسطين التاريخية المغتصبة أكتب لك رسالتي الأخيرة
نعم أمي ..أرجو من الله أن تكون رسالتي الأخيرة..
مع سكون الليل و تلألأ نجومه جلستُ مع مجموعة من الشباب المرابط نتجاذب أطراف الحديث و نذكر تاريخ الأمة التليد، فحدثتني نفسي و سألتها هذا السؤال من يمنعني كي أكون مثل هؤلاء وقد فازوا بالشهادة في الدنيا و فازوا بالجنان في الآخرة و َبقِيَتْ سيرهم يتناقلها الناس جيلا بعد جيل...فَخُلِدوا هنا و سيُخَلَدون هناك.. فما المانع ؟
فوجدتُ أنه لا مانع لدي يعترض سبيلي لأحقق رغبتي في نيل الشهادة و صنع تاريخ هذه الأمة و استعادة ملاحم خالد بن الوليد و صلاح الدين و عز الدين القسام و غيرهم كثير..

أمي الحبيبة ...

إنه لولا هذا الحب الجارف و الشوق العارم الذي يجذبني إليك و إلى ولديَ خالد و عمار لخرجتُ للعدو اليوم قبل الغد بصدر عار و لدخلتُ حصونه و أوغلتُ فيه بالقتل و التنكيل حتى أستشهد أو أعود بنصر مؤزر و أَسْرى أَجُرُهم لكي أقايض بحريتهم من هم قابعون منذ سنين طويلة في زنازين العدو، لكن حال بيني و بين هذه الرغبة صورتك التي ما فتئت تجذبني إليك و تدفعني لرؤيتك و الجلوس إلى حضرتك و سماع أحاديثك و تقبيل يدك و الانحناء على صدرك و التعلق بردائك و طلب العفو منك على تقصيري في خدمتك و القيام بواجب الرعاية و النفقة عليك..
و الذي حَزَ كثيرا في نفسي و أرقَ علي مضاجعي أني تركتكِ و التحقتُ بما أنا فيه و أنتِ في أمس الحاجة إليَ..فماذا أفعل يا أمي ؟ ..ماذا أفعل ؟

أمي الحبيبة:

لطالما أردتُ أن أوفيك بعض من حقك عليَ، لكن حقكِ علي أعظم و تبعات خدمتك أكبر مِنْ أنْ أَفيَ بها و أنا كما تعلمين قليل المال معدوم الوقت فاغفري لي تقصيري و تجاوزي بعفوك عن عقوقي .. ولا أملك في هذا الحال سوى دعائي لك بظهر الغيب و أتمنى أن تقبلي ما يقدمه لك قلبي قبل الذي تصنعه لك يدي.
كما كنت دائما أشعر بالتقصير اتجاه أخواتي البنات و هن فلذات كبدي
فلكمْ كان يحزُ في نفسي و يُطَيْرُ النوم من عيني حين أتذكرهم و قد مرَ زمن طويل و لم أَرَهُم و خاصة أختي الصغرى أم محمد و هي بعيدة في الجزائر.
كما أهيب بأخي أبو جهاد و عهدي به مقداما ثائرا، بالوفاء بالعهد الذي كُنا قد قطعناه سويا بالسير على خطا الوالد الشهيد رحمه الله.
و أخيرا أمي رجائي كل رجائي أن ترضِي عني فلا أجد زادا يعينني على سفري إلى الآخرة من رضاك عني .
استودع الله بلدي و القدس و بلاد الإسلام و أنت يا أمي و إخوتي وسائر المسلمين..

كان لوقع الرسالة على نفسها و قع الغيث على أرض عطشا، فهدَأت من روعها و سكنتْ نفسها و أنزاح الحزن من قلبها لأنها أيقنت أن أخاها في الجنة
نظرت بعيون دامعة إلى تلك الشموع الزاهية المتوقدة أمامها و إلى ولديها و زوجها الحنون بنظرةِ أملٍ ملأَ كيانها و إذْ بها أحست بأصابع زوجها تلمس يدها و شفتاه تلثمها و صوته يهمس في أذنها متمنيا لها و لأميرة مناسبة مباركة طيبة و سنة سعيدة و يده الأخرى تقربها إلى صدره، و دمعتْ عينه بدمعة حارة سالت كالؤلؤة على خده لتسقط على خد زوجته المتورد فتحدثُ دمعتهُ و دمعتها مجرى واحد من مجاري الأحزان...وعادتْ إلى أحلامها من جديد تفكر في غد بلا احتلال...و تـــتمنى مستقبلا بلا غارات، بلا دماء، بلا دموع .


السيد حسن2
السيد حسن2
مشرف الاقسام الادبية والثقافية
مشرف الاقسام الادبية والثقافية

مساهماتي : 1073
نقاطي : 1215
تسجيلي : 10/01/2012

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

دموع بلا نهايه Empty رد: دموع بلا نهايه

مُساهمة من طرف علا عمر الإثنين 09 يوليو 2012, 11:41 pm

دموع بلا نهايه 3587047428

علا عمر
مشرفة قسم التربية والتعليم
مشرفة قسم التربية والتعليم

مساهماتي : 464
نقاطي : 653
تسجيلي : 18/11/2011
مزاجي مزاجي : الحمد لله

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

دموع بلا نهايه Empty رد: دموع بلا نهايه

مُساهمة من طرف السيد حسن2 الخميس 12 يوليو 2012, 7:48 pm

اشكرك علا على ردك المحترم
السيد حسن2
السيد حسن2
مشرف الاقسام الادبية والثقافية
مشرف الاقسام الادبية والثقافية

مساهماتي : 1073
نقاطي : 1215
تسجيلي : 10/01/2012

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى