ــ[ تأملات في قصة أصحاب الكهف ]ــ
عبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــير الإســـــــــــــــــــــــــــــــــــــــلام :: القسم الاسلامي :: القرآن والسنة
صفحة 1 من اصل 1
ــ[ تأملات في قصة أصحاب الكهف ]ــ
ــ( تأملات في قصة أصحاب الكهف )ــ
كم كان عددهم ؟
قال تعالى :
( سَيَقُولُونَ ثَلاثَة رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ
وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم
مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلا قَلِيلٌ
فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلا مِرَاء ظَاهِرًا
وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا {22})
أخبر المولى عز وجل عن اختلاف أهل الكتاب في عددهم
وبين أن قول من قال بأنهم ثلاثة أو خمسة قول لا دليل عليه
وإنما بني على الظن والتخمين
لذا عقب عز وجل القولين بقوله تعالى
(رَجْمًا بِالْغَيْبِ)
وأتبع قوله تعالى
(وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ)
برد العلم إليه تعالى :
( قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم )
وبين سبحانه أن هناك من يعلم عدتهم وهم قليل بالنسبة إلى غيرهم
(مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلا قَلِيلٌ )
قال ابن عباس رضي الله عنهما :
أنا من القليل الذي استثنى اللّه عزَّ وجلَّ،
كانوا سبعة ،
وكذا روي عن عطاء أنه كان يقول: عدتهم سبعة.
( فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلا مِرَاء ظَاهِرًا )
أي واضحا وبينا دون تعمق أو خوض فيما استأثر الله بعلمه .
قال الشوكاني :
"وهو أن يقص عليهم ما أوحى الله إليه فحسب" "
( وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا )
لأن المفتي لابد وأن يكون أعلم من المستفتى
" وهاهنا الأمر بالعكس ولا سيما في واقعة أهل الكهف
وفيما قص الله عليك في ذلك ما يغنيك عن سؤال من لا علم له " .
قال الشيخ سعيد حوى رحمه الله :
" أي ولا تسأل أحدا من أهل الكتاب ،
ولا من غيرهم عن قصتهم سؤال متعنت له ،
حتى يقول شيئا فترد عليه أو تزيف ما عنده ،
ولا سؤال مسترشد ،
لأن الله تعالى قد أرشدك بأن أوحى إليك قصتهم .
وهذا من أدب المسلم أن لا يستفتي أحدا من خلق الله غير أهل العلم من المسلمين " .
( وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْء إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا {23}
إِلا أَن يَشَاء اللَّهُ وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ
وَقُلْ عَسَى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لأقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا {24})
نهاه عز وجل أن يقطع بشيء أو يعزم على فعل
دون أن يستثني فيقول إن شاء الله ذلك
أنه صلى الله عليه وسلم
لما سألوه عن الأسئلة الثلاثة وعد أن يجيبهم في الغد
ثقة بمجيء أمين الوحي جبريل بالجواب الكافي من عند الله تعالى
ولم يقل صلى الله عليه وسلم إن شاء الله
فلبث الوحي مدة لا ينزل ،
حتى ظن المشركون وأشاعوا أنه هجره ،
وإنما كان ذلك درسا له صلى الله عليه وسلم
أن يربط كل ما هو متوقع الحصول بمشية الله تعالى ،
لما في ذلك من تفويض الأمر
إلى علام الغيوب والتماس التوفيق والسداد ،
والبركة والتيسير منه تعالى .
قال ابن عطية :
"أي عسى أن يرشدني فيما أستقبل من أمري
وهذه الآية مخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم
وهي بعد تعم أمته "
وقال ابن كثير رحمه الله :
" هذا إرشاد من اللّه تعالى لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم
إلى الأدب فيما إذا عزم على شيء ليفعله في المستقبل
أن يرد إلى مشيئة اللّه عزَّ وجلَّ علام الغيوب،
كما ثبت في الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
"قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ نَبِيّ اللّهِ:
لأَطُوفَنّ اللّيْلَةَ عَلَىَ سَبْعِينَ امْرَأَةً،
كُلّهُنّ تَأْتِي بِغُلاَمٍ يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ،
فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ، أَوِ الْمَلَكُ:
قُلْ: إنْ شَاءَ اللّهُ، فَلَمْ يَقُلْ،
وَنَسِيَ، فَلَمْ تَأْتِ وَاحِدَةٌ مِنْ نِسَائِهِ،
إلاّ وَاحِدَةٌ جَاءَتْ بِشِقّ غُلاَمٍ"،
فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم:
"وَلَوْ قَالَ: إنْ شَاءَ اللّهُ، لَمْ يَحْنَثْ،
وَكَانَ دَرَكاً لَهُ فِي حَاجَتِهِ".
".. وقد تقدم في أول السورة ذكر سبب نزول هذه الآية
في قول النبي صلى اللّه عليه وسلم
لما سئل عن قصة أصحاب الكهف:
"غداً أجيبكم"،
فتأخر الوحي خمسة عشر يوماً ،
ولأن المرء معرض للنسيان
فلقد شرع الله لمن نسي أن يقول إن شاء الله أن يذكر ربه
قال تعالى :
( وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ
وَقُلْ عَسَى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لأقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا )
" إشارة إلى نبأ أصحاب الكهف
والمعنى لعل الله يؤتيني من البينات والدلائل
على صحة أني نبي من عند الله صادق القول في ادعاء النبوة
ما هو أعظم في الدلالة وأقرب رشدا من نبأ أصحاب الكهف ،
وقد كان حيث أعطاه الله عز وجل من قصص الأنبياء
والإخبار بالغيوب ما هو أعظم من ذلك "
" أو لأقرب رشدا وأدنى خيرا من المنسي " .
أي إذا سئلت عن شيء لا تعلمه فاسأل اللّه تعالى فيه،
وتوجه إليه بصدق حتى يوفقك للصواب والرشد في ذلك .
كم لبثوا في الكهف ؟ :
قال تعالى :
(وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا {25}
قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْض
أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا {26})
بين الله عز وجل مدة لبثهم وهي ثلاثمائة سنة بالحساب الشمسي ،
أو ما يقابلها بالحساب القمري وهي الثلاثمائة وتسع سنوات ،
وذلك لأن السنة الشمسية تزيد على السنة القمرية بأحد عشر يوما .
فبين الله عز وجل مدة لبثهم بالحسابين ،
وبين الله عز وجل وجوب رد العلم إليه تعالى في مدة لبثهم فهو الأعلم بها ،
فإذا ادعى أحد من أهل الكتاب أنهم لبثوا أكثر من ذلك
فنجيب عليهم بأن الله تعالى هو الأعلم بمدة لبثهم
فلا عبرة بادعاءاتهم ،
فقد أخبرنا من له غيب السموات والأرض بخبرهم .
وقوله تعالى :
{ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ }
تعجب من كمال سمعه وبصره،
وإحاطتهما بالمسموعات والمبصرات،
بعد ما أخبر بإحاطة علمه بالمعلومات.
ثم أخبر عن انفراده بالولاية العامة والخاصة،
فهو الولي الذي يتولى تدبير جميع الكون،
الولي لعباده المؤمنين، يخرجهم من الظلمات إلى النور وييسرهم لليسرى،
ويجنبهم العسرى، ولهذا قال:
{ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ }
أي: هو الذي تولى أصحاب الكهف،
بلطفه وكرمه، ولم يكلهم إلى أحد من الخلق.
{ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا }
وهذا يشمل الحكم الكوني القدري،
والحكم الشرعي الديني، فإنه الحاكم في خلقه، قضاء وقدرا،
وخلقا وتدبيرا، والحاكم فيهم، بأمره ونهيه، وثوابه وعقابه.
تعقيب على القصة :
(وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ
لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا {27})
أي واقرأ عليهم ما أوحى الله إليك فهو الحق والصدق والهدى والرشاد ،
واتبع هذا الوحي الإلهي فهو الحق الواضح
الذي لا تبديل فيه ولا تغيير فقصصه الحق وأمثاله الصدق ووعده
وكل ما فيه من أخبار لا مبدل لها،
كما أنه لا مبدل لسننه عز وجل في عباده والتي من بينها نصرته لأوليائه وسنة التداول ،
تداول العصور وانقضاء العهود وهلاك الظالمين
مهما طال بهم الزمان واضمحلال دولتهم مهما علت ،
وقصة أصحاب الكهف دليل على ذلك
حيث نجى الله هؤلاء الفتية من بطش قومهم
وجعلهم آية باهرة وحجة ظاهرة على إمكانية البعث بالروح والجسد .
ومن خلال القصة أيضا نتعلم أن لا ملجأ لنا ولا ملاذ ولا عاصم إلا الله .
(وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِي يُرِيدُونَ وَجْهَهُ
وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاة الدُّنْيَا
ولا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا {28})
لما تبين لنا من قصة أصحاب الكهف كيف اجتمعوا على طاعة الله
وتعانقت قلوبهم على الحب في الله وتآلفت أرواحهم على الإيمان بالله
واجتمعت كلمتهم على نصرة دين الله دعا المولى عز وجل رسوله الكريم
صلى الله عليه وسلم أن يصبر نفسه مع أولياء الله المريدين لوجهه
والمبتغين لفضله فلا ينصرف عنهم لفقرهم أو لضعفهم ،
فهم بالإيمان أغنى وأقوى وأكرم من غيرهم
وبمناسبة قوله تعالى :
(وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِي يُرِيدُونَ وَجْهَهُ
وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاة الدُّنْيَا
ولا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا {28})
نورد هذا الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه
عَنْ سَعد بن أبي وقاص رضي الله عنه .
قَالَ: كُنّا مَعَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم سِتّةَ نَفَرٍ.
فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ لِلنّبِيّ صلى الله عليه وسلم:
اطْرُدْ هَؤُلاَءِ لاَ يَجْتَرِئُونَ عَلَيْنَا.
قَالَ:
وَكُنْتُ أَنَا وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَرَجُلٌ مِنْ هُذَيْلٍ، وَبِلاَلٌ،
وَرَجُلاَنِ لَسْتُ أُسَمّيهِمَا.
فَوَقَعَ فِي نَفْسِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مَا شَاءَ اللّهُ أَنْ يَقَعَ. فَحَدّثَ نَفْسَهُ.
فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ:
{وَلاَ تَطْرُدِ الّذِينَ يَدْعُونَ رَبّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ
مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ}
(6 الأنعام الاَية: ).
وعَنْه رضي الله عنه قال فِيّ نَزَلَتْ:
{وَلاَ تَطْرُدِ الّذِينَ يَدْعُونَ رَبّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيّ} (6
الأنعام الاَية: .
قَالَ: نَزَلَتْ فِي سِتّةٍ:
أَنَا وَابْنُ مَسْعُودٍ مِنْهُمْ. وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ قَالُوا لَهُ: تُدْنِي هَؤُلاَءِ.
فائدة :
في عصور الجهل والانحطاط استغل بعض أصحاب المصالح
وأرباب النفوذ بساطة الناس وسذاجتها في تحقيق مآربهم
فيدعون اكتشاف كهف في المكان الفلاني به أصحاب الكهف
وينسجون حوله الروايات ويقدمون الأدلة على صحة ادعائهم
حتى يشيع الخبر بين الناس ويطير بين البلاد
ويصير الكهف مزارا يؤمه الناس من بلاد شتى
وما زلنا نسمع عن بعض الجهال أن هناك شجرة في المكان الفلاني
وبئر في البلد الفلاني يتزاحم عليه الجهلة طلبا للتداوي
والاستشفاء من الأمراض المزمنة والمستعصية
وفي هذا من المخالفات الشرعية ما لا يخفى .
ولعل هذا يفيد في معرفة أسباب اختلاف الناس في مكان الكهف
حتى قيل إنه ببلاد الأندلس أو ببلاد الترك أوكذا أوكذا ،
ولقد فطن إلى هذا الأمر ابن عباس رضي الله عنه
حين خرج غازيا مع حبيب بن مسلمة فمروا بكهف
فإذا فيه عظام، فقال رجل:
هذه عظام أهل الكهف. فقال ابن عباس:
ذهبت عظامهم أكثر من ثلثمائة سنة.
والله أعلم
Al_maroof- نائب مدير
- منتدي عبير الاسلام
مساهماتي : 14235
نقاطي : 22524
تسجيلي : 30/10/2011
مزاجي : محتسب وحامد لربي
رد: ــ[ تأملات في قصة أصحاب الكهف ]ــ
( وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْء إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا {23}
إِلا أَن يَشَاء اللَّهُ وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ
وَقُلْ عَسَى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لأقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا {24})
Al_maroof- نائب مدير
- منتدي عبير الاسلام
مساهماتي : 14235
نقاطي : 22524
تسجيلي : 30/10/2011
مزاجي : محتسب وحامد لربي
عبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــير الإســـــــــــــــــــــــــــــــــــــــلام :: القسم الاسلامي :: القرآن والسنة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى