عبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــير الإســـــــــــــــــــــــــــــــــــــــلام
اهلا بك في منتديات عبير الاسلام
نحن نلتقي لنرتقي ونعمل جاهدين لرفعة الاسلام
ايها الزائر الكريم نحن ندعوك للتسجيل معنا
عبير اسعد

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

عبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــير الإســـــــــــــــــــــــــــــــــــــــلام
اهلا بك في منتديات عبير الاسلام
نحن نلتقي لنرتقي ونعمل جاهدين لرفعة الاسلام
ايها الزائر الكريم نحن ندعوك للتسجيل معنا
عبير اسعد
عبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــير الإســـــــــــــــــــــــــــــــــــــــلام
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ـ[ سيرة المصطفى من البعثة للهجرة ]ـ

اذهب الى الأسفل

ظ ـ[ سيرة المصطفى من البعثة للهجرة ]ـ

مُساهمة من طرف Al_maroof السبت 08 يونيو 2013, 5:59 pm




ــ( سيرة المصطفى من البعثة للهجرة )ــ

... رحلة الطائف دعوة وتربية ...

لقي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه -

رضوان الله عليهم كل ألوان الأذى والاضطهاد

من طواغيت قريش الذين بذلوا أقصى ما في وسعهم

للقضاء على الدعوة الإسلامية الجديدة،

وتلك هي سنّة الله في خلقه،

ولأن رسالة الإسلام عامة لكل الناس كما قال تعالى:

{ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ }
(الأنبياء:107)،

فلم يقتصر النبي صلى الله عليه وسلم ـ رغم تعرضه للأذى ـ

على دعوة قريش فقط،

وإنما بدأ في التحرك للدعوة بمناطق أخرى خارج مكة المكرّمة،

لمحاولة إيجاد مكان وأرض جديدة تكون صالحة للدعوة الإسلامية الجديدة .

ففي شوال من السنة العاشرة بعد بدء نزول الوحي

خرج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى الطائف

التي تبعد عن مكة ستة وتسعين كيلو متر

ـ ماشيا على قدميه الشريفتين ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذهابا وإيابا،

وأقام الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الطائف عدة أيام،

ولم يترك أحدًا إلا دعاه إلى الإسلام،

فتطاولوا‏ عليه وطردوه، ثم أغروا به سفهاءهم

فلاحقوه وهو يخرج من الطائف يسبّونه، ويرمونه بالحجارة،

حتى دميت قدماه الشريفتان،

وحاول زيد بن حارثة ـ رضي الله عنه

ـ أن يحمي الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ حتى أصيب في رأسه،

ولم يزل السفهاء يرمونهما بالحجارة

حتى لجأ الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وزيد

ـ رضي الله عنه ـ إلى حائط ـ بستان - لعتبة و شيبة ابني ربيعة

على بعد ثلاثة أميال من الطائف، فرجعوا عنهما .

وبعد العسر يأتي اليسر، ومع الهم يأتي الفرج،

ففي طريق عودة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ

إلى مكة جلس في بستان لعتبة وشيبة ابني ربيعة

من سادات أهل الطائف ليستريح قليلا،

فأرسلا غلاما لهما نصرانيا ـ يقال له عداس ـ

بقطف من عنب إلى رسول ـ الله صلى الله عليه وسلم ـ،

فلما وضعه بين يديه ـ صلى الله عليه وسلم، مد يده قائلا:

( بسم الله ثم أكل، فقال عداس :
إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد،
فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ:
من أي البلاد أنت وما دينك؟،
فقال عداس : أنا نصراني من أهل نينوي،
فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
من قرية الرجل الصالح يونس بن متى؟،
فقال عداس : وما يدريك ما يونس بن متى؟،
فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
ذاك أخي كان نبيا وأنا نبي،
فأكب عداس على رأس رسول الله
ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويديه ورجليه يقبلهما وأسلم )،

ثم رجع النبي ـ صلى الله عليه وسلم إلى مكة ـ

ليستأنف الدعوة إلى الله،

وعرض الإسلام وإبلاغ الرسالة للوفود والقبائل والأفراد .

إن المتأمل في رحلة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الشاقة للطائف،

وما لاقاه من أذى ليجد فيها الدروس الكثيرة للدعاة والمربين، ومنها :

رحمة الداعية :

أظهرت رحلة الطائف ـ الشاقة ـ بصورة عملية،
معاني الرحمة من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بمن آذاه،
إذ كان بوسعه أن ينتقم من السفهاء الذين آذوه،
ومن زعمائهم الذين أغروا به،
وسلطوا عليه صبيانهم وسفهاءهم،

فقد سألت عائشة ـ رضي الله عنها ـ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ

قائلة:
( يا رسول الله، هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟،
فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : لقد لقيت من قومك ما لقيت،
وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة،
إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كُلال فلم يجبني إلى ما أردت،
فانطلقت وأنا مهموم على وجهي،
فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب(ميقات أهل نجد)،
فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني،
فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني، فقال:
إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك،
ولقد أرسل إليك ملَك الجبال لتأمره بما شئت،
فناداني ملك الجبال وسلم عليَّ، ثم قال: يا محمد،
إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملَك الجبال،
وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فيما شئت؟،
إن شئتَ أن أُطبق عليهم الأخشبين (الجبلين)،
فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم
من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا )
رواه البخاري .

لقد كانت إصابة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ
يوم أحد أبلغ من الناحية الجسدية،
أما من الناحية النفسية فإن إصابته يوم الطائف أبلغ وأشد،
ومع ذلك رفض إهلاك من آذاه،
فقد كانت نظرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ
نظرة مستقبلية فيها رحمة لأعدائه ومن آذاه،
بل وأمل في هدايتهم، فأهل الطائف يؤذونه،
ويدفعون أنفسهم في النار، والرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ حريص عليهم،
رحيم بهم، قائلا:
( بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا )،

ولم يكن هذا الموقف موقفًا عارضًا في حياته،

فقد فعل ذلك أيضًا قبل ذلك مع قبيلة دوس عندما رفضوا الإسلام،

فقال:
( اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وَأْتِ بِهِمْ )
رواه البخاري،

وصدق الله العظيم الذي قال عنه :
{ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ }
(الأنبياء: 107) .

وهذا الموقف مع ما فيه من درس عملي في رحمة الداعية وشفقته بالمدعو،

وعدم تعجل نزول العقاب بمن لا يستجيب لدعوته،

فيه أيضا دلالة على نبوته ـ صلى الله عليه وسلم ـ

فقد تحقق بالفعل ما أخبر به من إسلام أبناء المشركين فيما بعد

حين قال:
( بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا )
رواه البخاري .


منهج التغيير :

من خلال رفض النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لمقترح ملَك الجبال

بإهلاك من تعرض له بالأذى، وضع لنا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ منهجه في التغيير،

وهذا من الدروس الهامة من هذه الرحلة الشاقة،

إذ كان مقترح ملَك الجبال أن يُطبق عليهم الجبلين،

وهو يدخل تحت منهج الاستئصال،

وقد نُفِذ في قوم نوح وعاد وثمود ولوط،

قال تعالى:
{ فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً
وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ
وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ
وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }
(العنكبوت:40)،

لكن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ رفض ذلك،

ونظر إلى المستقبل بيقين، وبروح التفاؤل والرحمة والشفقة

قائلا:
( بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا )،

ومن ثم قرر الرجوع إلى مكة ليواصل دعوته بالحكمة والموعظة الحسنة،

رغم ما يلقاه من تعب ومشقة،

وهذا هو المنهج النبوي في الدعوة إلى الله،

كما قال تعالى:
{ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ
وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }
(النحل:125) .


بركة السنة :

وفي إسلام عداس الغلام النصراني درس تربوي ودعوي

في فضل وبركة التمسك بسنة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ،

فالتسمية قبل الأكل من السنن والآداب

التي علمها لنا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ،

فعن عمر بن أبي سلمة ـ رضي الله عنه ـ قال:

كنت غلاما في حجر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ،

وكانت يدي تطيش في الصحفة (الطبق)،

فقال لي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ:

( يا غلام سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك فما زالت تلك طعمتي بعد )
رواه البخاري .

فالتمسك بآداب وسنن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الفعلية والقولية

من أسباب تميز المسلمين على من حولهم من المشركين،

وهذا التميز يلفت أنظار الكفار دائما، ويدفعهم إلى السؤال،

ثم يقودهم ذلك إلى فهم الإسلام والانجذاب إليه والدخول فيه،

كما حدث مع عداس ومع غيره إلى يومنا هذا .

{ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ }
(النور: من الآية54) :

إن واجب الداعية إلى الله هو الدعوة والبلاغ فحسب

بغض النظر عن النتيجة والاستجابة،

فالنتائج (الهداية) بيد الله وحده،

ولو كان نجاح الدعوة يقاس بعدد الأتباع فحسب لظنّ البعض

أن نبيّا عظيما مثل نوح ـ عليه السلام ـ قد أخفق في دعوته ورسالته،

لأنه عاش يدعو قومه إلى التوحيد ألف سنة إلا خمسين،

ولم يؤمن معه إلا عدد قليل،

وقد أخبرنا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ

أن من الأنبياء من يأتي يوم القيامة ومعه الرجل الواحد،

ومنهم من يأتي ومعه الرجلان ،

ومنهم من يأتي وليس معه أحد،

فعن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال :

قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ :

(يجيء النبي يوم القيامة ومعه الرجل،
والنبي ومعه الرجلان،
والنبي ومعه الثلاثة وأكثر من ذلك )
رواه ابن ماجه ،

وفي رواية :
( والنبي وليس معه أحد من أمته )،

وعن أنس ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال :

( وإن من الأنبياء نبياً ما يصدقه من أمته إلا رجلٌ واحد )
رواه مسلم .

إن الرسل ـ عليهم السلام ـ قد أدّوا الأمانة وبلّغوا الرسالة على أتم وأكمل وجه،

وليست الكثرة دليلا على الحق أو النجاح،

ولن يستجيب أحد للحق الذي تدعوه إليه إلا إذا شاء الله،

قال الله تعالى :
{ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ
فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ }
(سورة المائدة: 2 )،

وقال:
{ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ }
(النحل:82)،

وقال:
{ لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ }
(البقرة: من الآية272)،

وقال :
{ إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ }
(القصص: من الآية56) .


إن رحلة الطائف رغم ما فيها من أحداث مؤلمة

من إيذاء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، تركت لنا دروسا هامة،

ينبغي على المسلم عامة، والمربي والداعية خاصة الوقوف معها والعمل بها،

فرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ واصل دعوته إلى الله بصبر وثبات،

وحكمة ورحمة، فكانت النتيجة النصر من الله،

والفتح المبين الذي نعيش في ظلاله،

وننعم بنوره إلى يومنا هذا، وإلى يوم الدين .

cheers


Al_maroof
Al_maroof
نائب مدير
نائب مدير

اوسمتي منتدي عبير الاسلام
مساهماتي : 14235
نقاطي : 22524
تسجيلي : 30/10/2011
مزاجي مزاجي : محتسب وحامد لربي

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

ظ رد: ـ[ سيرة المصطفى من البعثة للهجرة ]ـ

مُساهمة من طرف Al_maroof السبت 08 يونيو 2013, 6:19 pm



... زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي ...



أخذت خلوات الرسول - صلى الله عليه وسلم -

تزداد وتتسع وهو يقترب من الأربعين حيث أعده الله ـ سبحانه ـ

لأول لقاء مع الوحي، من أجل تكليفه بالنبوة،

وإخراج الناس من ظلمات الجاهلية إلى نور الإسلام،

فكان يغادر مكة بين الحين والحين إلى غار حراء،

فيقيم فيه شهر رمضان، يطعم من جاءه من المساكين،

ويقضي وقته في العبادة والتفكر،

وهو غير راض لما عليه قومه من عقائد الشرك

والعبادات الباطلة والأوهام الزائفة، التي لم تجد سبيلاً إلى قلبه،

ولم تلق قبولاً في عقله، بسبب ما أحاطه الله به

من رعاية وعناية لم تكن لغيره من البشر، فبقيت فطرته على صفائها،

تنفر من كل شيء غير ما فطرت عليه،

فكان اختياره - صلى الله عليه وسلم - لهذه العزلة طرفا من تدبير الله له،

ليعده لما ينتظره من حمل الأمانة الكبرى .

ولما بلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - أربعين سنة - وهي رأس الكمال -

بدأت آثار النبوة تلوح وتظهر،

فكان أول ما بدئ به رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ

من الوحي الرؤيا الصالحة، وتسمي أحيانا الرؤيا الصادقة،

والمراد بها الرؤيا الطيبة التي ينشرح لها الصدر وتزكو بها الروح،

والرؤيا الصالحة للمؤمن من البشرى في الحياة الدنيا،

فعن عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ

أنه قال:
( أيها الناس إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة،
يراها المسلم أو تُرَى له )
رواه مسلم .

وفي رمضان من السنة الثالثة بغار حراء

ظهرت بشريات الصبح وطلائع السعادة،

وآن أوان البعثة، فتم أعظم لقاء في حياة البشرية،

لقاء جبريل عليه السلام الذي يحمل أعظم رسالة،

إلى أفضل رسول ـ محمد صلى الله عليه وسلم ـ ليغير وجه الحياة،

ويأخذ بيد الإنسانية التائهة في ظلمات الشرك والظلم

إلى نور التوحيد والعدل، والأمن والأمان .

يقول المباركفوري في الرحيق المختوم:

" وبعد النظر والتأمل في القرائن والدلائل
يمكن لنا أن نحدد ذلك اليوم بأنه كان يوم الاثنين
لإحدى وعشرين مضت من شهر رمضان ليلا،
ويوافق 10 أغسطس سنة 610 م،
وكان عمره ـ صلى الله عليه وسلم ـ
إذ ذاك بالضبط أربعين سنة قمرية، وستة أشهر، و 12 يوما،
وذلك نحو 39 سنة شمسية وثلاثة أشهر و 12 يوما " .

ولنستمع إلى عائشة ـ رضي الله عنها ـ وهي تحدثنا

عن بداية نزول وإشراق الوحي فتقول:

( أول ما بدئ به رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الوحي
هو الرؤيا الصالحة في النوم،
فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح،
ثم حُبِب إليه الخلوة، وكان يخلو في غار حراء،
يتحنث (يتعبد) فيه الليالي ذوات العدد،
قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك،
ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها،
حتى جاءه الحق وهو في غار حراء،
فجاءه الملَك فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ،
قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجَهد،
ثم أرسلني فقال اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ،
قال فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد،
ثم أرسلني فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ،
فأخذني فغطنى الثالثة ثم أرسلني فقال:

{ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ *
خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ *
اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ }
(العلق3:1)،

فرجع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يرجف فؤاده،

فدخل على زوجته خديجة بنت خويلد ـ رضي الله عنها ـ،

فقال: زملوني، زملوني، فزملوه حتى ذهب عنه الروع،

فقال لخديجة : لقد خشيت على نفسي، فقالت خديجة :

كلا والله ما يخزيك الله أبدا،
إنك لتصل الرحم،
وتحمل الكَل،
وتكَسب المعدوم،
وتَقري الضيف،
وتعين على نوائب الحق،

فانطلقت به خديجة حتى أتت ورقة بن نوفل ابن عمها،

وكان امرًأً تنصر بالجاهلية،

وكان يكتب الكتاب العبراني من الإنجيل بالعبرانية

ما شاء الله له أن يكتب،

وكان شيخا كبيرا قد عمي، فقالت له خديجة : يا ابن عم،

اسمع من ابن أخيك، فقال له ورقة : يا ابن أخي ما ذا ترى؟

فأخبره رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما رأى،

فقال له ورقة : هذا الناموس

(جبريل عليه السلام)

الذي نزّل الله على موسى، يا ليتني فيها جذعا (شابا)،

ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك، فقال: أَوَ مُخرجي هم؟،

قال نعم، لم يأت رجل قَط بمثل ما جئت به إلا عودي،

وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا،

ثم لم ينشب ورقة أن توفي، وفتر الوحي )
رواه البخاري .

وقد أجمع الصحابة - رضوان الله عليهم - على أنه - صلى الله عليه وسلم -

كان يعاني في أثناء نزول الوحي عليه شدة وصعوبة،

يبقى على ذلك ما شاء الله، فلا يهدأ ولا يذهب عنه الروع إلا بعد انتهاء الوحي،

فيجلس عندئذ وقد تصبب عرقا، ثم يتلو على من عنده من أصحابه ما أُوُحِي إليه،

ومن هنا يظهر كذب وافتراء المشركين

وبعض المستشرقين من بعدهم الذين طعنوا وشككوا في حقيقة الوحي بقولهم:

حديث نفس،أو: إشراق روحي وإلهام،

أو: كان في المنام .

فالحقيقة تقول إن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ،

فوجئ بجبريل أمامه يراه بعينيه، وهو يقول له اقرأ،

فالوحي استقبال وتلقِ لحقيقة خارجية لا علاقة لها بالنفس والإلهام،

ثم إن ضم جبريل إياه وإرساله ثلاث مرات قائلاً في كل مرة: اقرأ،

يعتبر تأكيداً لهذا التلقي الخارجي،

ومبالغة في نفي ما قد يُتصور من أن الأمر لا يعدو كونه خيالاً أو حديث نفس،

مما يدعيه أعداء الإسلام ومن سار وراءهم،

وقد قال الله تعالى تأكيداً لهذا المعنى:

{ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا
مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ
وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا
وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ }
(الشورى:52) .


فائدة :

يقول ابن القيم في كتابه زاد المعاد:

" كمَّل الله له من مراتب الوحي مراتب عديدة :

إحداها:
الرؤيا الصادقة، وكانت مبدأ وحيه - صلى الله عليه وسلم -،

وكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح.

الثانية:
ما كان يلقيه الملك في روعه وقلبه من غير أن يراه،

كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :

( إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها،

فاتقوا الله وأجملوا في الطلب،

ولا يحملنكم استبطاء الرزق على أن تطلبوه بمعصية الله،

فإن ما عند الله لا ينال إلا بطاعته ) .

الثالثة:
أنه - صلى الله عليه وسلم -

كان يتمثل له الملك رجلا فيخاطبه حتى يعي عنه ما يقول له،

وفي هذه المرتبة كان يراه الصحابة أحيانا.

الرابعة:
أنه كان يأتيه في مثل صلصلة الجرس، وكان أشده عليه،

فيتلبس به الملك حتى إن جبينه ليتفصد عرقا في اليوم الشديد البرد،

وحتى إن راحلته لتبرك به إلى الأرض إذا كان راكبها،

ولقد جاء الوحي مرة كذلك وفخذه على فخذ زيد بن ثابت

فثقلت عليه حتى كادت ترضها .

الخامسة:
أنه يرى الملك في صورته التي خلق عليها،

فيوحي إليه ما شاء الله أن يوحيه،

وهذا وقع له مرتين كما ذكر الله ذلك في [ النجم: 7، 13] .

السادسة:
ما أوحاه الله وهو فوق السماوات ليلة المعراج من فرض الصلاة وغيرها.

السابعة:
كلام الله له منه إليه بلا واسطة ملك، كما كلم الله موسى بن عمران،

وهذه المرتبة هي ثابتة لموسى قطعا بنص القرآن،

وثبوتها لنبينا - صلى الله عليه وسلم - هو في حديث الإسراء " .

إنَّ لحظة نزول الوحي عليه - صلى الله عليه وسلم-

أعظم لحظة مرت على الأرض في تاريخها الطويل،

إذ كانت ميلاداً جديداً للبشرية،

فببعثته ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ كَمُلَ للبشرية دينها،

وتم للإنسانية نعيمها، فكان الإسلام هو الدين الذي ارتضاه الله لعباده جميعاً،

ولن يقبل الله من أحدٍ ديناً سواه، قال الله تعالى:

{ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ
وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي
وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً }
(المائدة: من الآية3) ..


cheers


Al_maroof
Al_maroof
نائب مدير
نائب مدير

اوسمتي منتدي عبير الاسلام
مساهماتي : 14235
نقاطي : 22524
تسجيلي : 30/10/2011
مزاجي مزاجي : محتسب وحامد لربي

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

ظ رد: ـ[ سيرة المصطفى من البعثة للهجرة ]ـ

مُساهمة من طرف Al_maroof السبت 08 يونيو 2013, 6:30 pm



... اللهمَّ اهْدِ ثَقِيفاً ...



ها هي مكة تقف عقبة في سبيل الدعوة الإسلامية،

وها هم سفهاء قريش قد أسرفوا في إيذاء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ،

والصد عن سبيل الله بعد تكالب المحن والشدائد عليه،

من موت عمه أبي طالب الذي كان يحميه،

وزوجته خديجة ـ رضي الله عنها ـ، التي كانت تواسيه وتخفف عنه آلامه ..

ومع ذلك فقد مضى ـ صلى الله عليه وسلم ـ في تبليغ دعوته ورسالته،

فعزم على أن ينتقل إلى بلد غير بلده، وقوم غير قومه،

وهو في ذلك يقتدي بالأنبياء والمرسلين الذين سبقوه،

فدعا سرا وجهرا، وبشر وأنذر،

ودعا إلى الله في كل وقت وحال .

توجه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ جهة الطائف حيث توجد ثقيف

عسى أن يجد منهم من ينصر الإسلام، ويحمي الدعوة الجديدة،

فخرج إليها في شوال في السنة العاشرة من البعثة،

ومعه مولاه زيد بن حارثة ـ رضي الله عنه ـ،

فأقام بها مدة يدعو ثقيفا إلى الله تعالى، فلم يجد آذانا صاغية،

وكان ممن قابلهم ثلاثة من أشرافهم: ابن عبد ياليل،

ومسعود وحبيب بنو عمرو بن عمير،

وكانوا سادة ثقيف وأشرافها .

فقال له ابن عبد ياليل بن عمرو:

إنه سيمرط (سيقطع) ثياب الكعبة إن كان الله أرسله،

وقال مسعود: أمَا وجد الله أحدًا غيرك؟!،

وقال حبيب: والله لا أكلمك أبدًا،

إن كنت رسولاً لأَنْتَ أعظم خطرًا من أن أردَّ عليك الكلام،

ولئن كُنْتَ تَكْذِبُ على الله ما ينبغي أن أكلمك

فمكث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عشرة أيام يدعو في الطائف،

فما ترك أحدًا إلا كلَّمه في الإسلام،

ورغم ذلك فقد اجتمع أهل الطائف على تكذيبه،

وأغرَوْا به سفهاءهم وغِلْمَانَهُمْ، وجعلوا يقذفونه بالحجارة،

حتى سالت الدماء من قدميه الشريفتين،

وشُجَّتْ رأسُ زيد بن حارثة ـ رضي الله عنه ـ .


وقد سألت عائشة ـ رضي الله عنها ـ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ

قائلة:
( يا رسول الله،
هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟،
فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : لقد لقيت من قومك ما لقيت،
وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة،
إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كُلال فلم يجبني إلى ما أردت،
فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب (ميقات أهل نجد)،
فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني،
فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني،
فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك،
ولقد أرسل إليك ملَك الجبال لتأمره بما شئت،
فناداني ملك الجبال وسلم عليَّ،
ثم قال: يا محمد، إن الله قد سمع قول قومك لك،
وأنا ملَك الجبال، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فيما شئت؟،
إن شئتَ أن أُطبق عليهم الأخشبين (الجبلين)،
فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا )
رواه البخاري .


إن هذا الموقف من أعجب مواقف السيرة النبوية،

فالله ـ عز وجل ـ أرسل جبريل ومعه ملك الجبال،

ليأتمر بأمر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ،

ويطلب منه الموافقة على إهلاك القوم الذين كذبوه وسبوه،

وآذوه بالقول والفعل، ومع ذلك فهلاكهم على الشرك

لا يَسُرُّ ولا يُرْضِي ـ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ،

وذلك لأنه أشد حرصًا عليهم من أنفسهم،

فيرد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على ملك الجبال دون تردُّد قائلا :

( بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا ) .

وتمرُّ الأيام،

وتظلُّ ثقيف على كفرها وعنادها،

واشتركت مع هوازن في الحرب

ضد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في موقعة حنين،

وانتهت الموقعة بهزيمتهم وفرارهم إلى مدينتهم الطائف،

وذهب إليها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ

وحاصرها حصارًا شديدًا مُدَّةَ شهر كامل،

لكنه لم يتمكَّن من فتحها، لمناعة حصونها،

فقرَّر أن يتركها، وحزن الصحابة لذلك،

وقالوا: يا رسول الله، أحرقتْنا نبال ثقيف،

فادع الله عليهم، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ :

( اللهُمَّ اهْدِ ثَقِيفًا )
رواه الترمذي .

لقد كانت إصابة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ

يوم أُحُد أبلغ من الناحية الجسدية، أما من الناحية النفسية

فإن إصابته يوم الطائف أبلغ وأشد، ومع ذلك رفض إهلاك من آذاه،

فقد كانت نظرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ،

نظرة مستقبلية فيها أمل وشفقة، شفقة عليهم ،

وأمل في أن يكون منهم ومن أبنائهم من يحمل راية الإسلام عالية خفاقة،

وكان ما رجاه وأمَّله ـ صلى الله عليه وسلم ـ .

إن المتأمل في سيرة وحياة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ

ومواقفه مع أصحابه وأعدائه ليُدرك عظمة أخلاقه، ونُبل صفاته،

ولا يستغرب أفعاله، ولا يتعجب من مواقفه،

فهو أحلم الناس وأعفاهم عن جاهل ،

وكان حلمه وعفوه دائماً عجيباً يفوق الحد الذي يتصوره الإنسان،

خاصة وأن عفوه كان مع القدرة على البطش والانتقام ممن أساء إليه،

لكنه ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ كان يقول عمن آذاه وأساء إليه:

( اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون )،

ويقول :

( بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا )،

ويقول :
( اللهُمَّ اهْدِ ثَقِيفاً ) .


cheers

Al_maroof
Al_maroof
نائب مدير
نائب مدير

اوسمتي منتدي عبير الاسلام
مساهماتي : 14235
نقاطي : 22524
تسجيلي : 30/10/2011
مزاجي مزاجي : محتسب وحامد لربي

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

ظ رد: ـ[ سيرة المصطفى من البعثة للهجرة ]ـ

مُساهمة من طرف Al_maroof السبت 08 يونيو 2013, 6:41 pm




... فرح المدينة بالنبي صلى الله عليه وسلم ...


كانت تسمى بيثرب قبل أن تشرف بقدوم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ،

وكان يُكدر حالها الفُرْقة والعصبية، وينغص عيش أهلها الفقر والأسقام،

ولكن هذا الحال سرعان ما تغير وتبدّل بهجرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إليها،

ذلكم الحدث الذي غير مجرى تاريخ مدينة يثرب من حال إلى حال،

فصارت المدينة المنورة، لاستنارتها بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم-،

وطَيْبةَ الطيِّبةَ، ملتقى المهاجرين والأنصار،

وموطن الذين تبوؤوا الدار والإيمان، والعاصمة الأولى للمسلمين،

ومن ثم كان هذا اليوم الاثنين الثامن من ربيع الأول

من السنة الرابعة عشرة من النبوة - السنة الأولى من الهجرة ـ

يوما مشهودا لم تشهده المدينة من قبل،

يصفه البراء بن عازب ـ رضي الله عنه ـ فيقول:

" ما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء

فرحهم برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ " .

لقد استشعر أهل المدينة الفضل الذي أعطاهم الله إياه،

والشرف الذي اختصهم به،

إذ ستصبح بلدتهم موطنا لإقامة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ

وصحابته المهاجرين، ثم لنصرة الإسلام،

ولذلك خرج أهل المدينة يهللون في فرح وابتهاج،

حتى صعد الرجال والنساء فوق البيوت،

وتفرق الغلمان في الطرق ينادون :

يا محمد يا رسول الله, يا رسول الله .

قال أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ:

" ما رأيت يوماً قط كان أحسن ولا أضوأ من يوم

دخل علينا فيه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ " .

وقال ابن القيم في كتابه زاد المعاد:

" وسُمِعَتِ الرَّجَّةُ والتَّكْبِيرُ في بني عمرو بن عوف،

وكبَّر المسلمون فرحاً بقدومه، وخرجوا للقائه،

فتلقوْه وحيَّوْه بتحية النبوة، فأحدقوا به مطيفين حوله،

والسَّكينة تغشاه، والوحي ينزِل عليه:

{ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ
وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ }
(التحريم: من الآية4) " .


ويصف عروة بن الزبير ـ رضي الله عنه ـ دخول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ

المدينة فيقول :

( .. أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ
لقي الزبير في ركب من المسلمين
كانوا تجارا قافلين (عائدين) من الشام،
فكسا الزبير رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ و أبا بكر ثيابَ بياض،
وسمع المسلمون بالمدينة بمخرج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من مكة،
فكانوا يغدون كل غداة إلى الحرة فينتظرونه حتى يردهم حر الظهيرة،
فانقلبوا يوما بعد ما أطالوا انتظارهم،
فلما أووا إلى بيوتهم أوفى رجل من يهود
على أُطُم (بناء مرتفع) من آطامهم لأمر ينظر إليه،
فبصر برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ
وأصحابه مبيضين (عليهم ثياب بيض) يزول بهم السراب،
فلم يملك اليهودي أن قال بأعلى صوته :
يا معاشر العرب هذا جدكم (حظكم وصاحب دولتكم)
الذي تنتظرون،
فثار المسلمون إلى السلاح فتلقوا رسول الله بظهر الحرة،
فعدل بهم ذات اليمين حتى نزل بهم في بني عمرو بن عوف
وذلك يوم الاثنين من شهر ربيع الأول ..
فقام أبو بكر للناس، وجلس رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ صامتا،
فطفق من جاء من الأنصار - ممن لم ير رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم -
يحيي أبا بكر ، حتى أصابت الشمس رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ،
فأقبل أبو بكر حتى ظلل عليه بردائه،
فعرف الناس رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عند ذلك ..
فلبث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ
في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة،
وأسس المسجد الذي أُسِّس على التقوى
وصلى فيه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثم ركب راحلته )
رواه البخاري .

وأقام رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ

بقباء وأسس مسجد قباء وصلى فيه،

وهو أول مسجد أسس على التقوى بعد النبوة،

فلما كان يوم الجمعة ركب دابته وأبو بكر ردفه،

وأرسل إلى بني النجار- أخواله - فجاؤوا متقلدين سيوفهم،

فسار نحو المدينة، فأدركته الجمعة في بني سالم بن عوف،

فجمع بهم في المسجد الذي في بطن الوادي .

وبعد الجمعة دخل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ المدينة،

ومن ذلك اليوم سُميت بلدة يثرب بمدينة الرسول ـ صلّى الله عليه وسلم ـ،

وكان يوما تاريخيا عظيما ..

قالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ:

لما قدم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ

المدينة وعك أبو بكر وبلال، فدخلت عليهما فقلت:

يا أبت كيف تجدك؟، ويا بلال كيف تجدك؟،

قالت: فكان أبو بكر إذا أخذته الحمى يقول :

كُلُّ امْرِئٍ مُصَبَّحٌ فِي أَهْلِهِ وَالْمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ

وكان بلال ـ رضي الله عنه ـ إذا أقلع عنه الحمى يرفع صوته ويقول :

أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً بِوَادٍ وَحَوْلِي إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ
وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْمًا مِيَاهَ مَجَنَّةٍ وَهَلْ يَبْدُوَنْ لِي شَامَةٌ وَطَفِيلُ

قالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ:

فجئت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأخبرته،

فقال:
( اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد حبا،
وصححها، وبارك في صاعها ومدها،
وانقل حماها فاجعلها بالجحفة )
رواه البخاري .

واستجاب الله دعاء نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ للمدينة،

وجعلها بلدًا طيبًا، وخلت من الوباء، وحسن حالها، واستقر أمر المسلمين بها،

وصارت حاضرة الإسلام الأولى بعد الهجرة إليها،

ومقام النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بها ..

يقول الحافظ ابن حجر: "أصبحت المدينة أطيب بلاد الله سبحانه،

كما سماها بذلك رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ

إذ سماها "طابة" و"طيبة"،

والطاب والطيب لغتان بمعنى واشتقاقها من الشيء الطيب

لطهارة تربتها ولطيبها لساكنيها،

ومن طيب العيش بها وفي طيب ترابها وهوائها

دليل شاهد على صحة هذه التسمية،

لأن من أقام بها يجد من تربتها وحيطانها

رائحة طيبة لا تكاد توجد في غيرها " .

وبدخول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ المدينة استنارت وشرفت،

وتحولت من يثرب إلى المدينة المنورة،

وتمت مرحلة من مراحل السيرة النبوية وهي المرحلة المكية ..


cheers


Al_maroof
Al_maroof
نائب مدير
نائب مدير

اوسمتي منتدي عبير الاسلام
مساهماتي : 14235
نقاطي : 22524
تسجيلي : 30/10/2011
مزاجي مزاجي : محتسب وحامد لربي

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

ظ رد: ـ[ سيرة المصطفى من البعثة للهجرة ]ـ

مُساهمة من طرف Al_maroof السبت 08 يونيو 2013, 7:58 pm



... قصة إسلام أبي ذر ...

فشلت محاولات التشويه والحرب الإعلامية,

التي كان الكفار يمارسونها على الدعوة الإسلامية في بداية عهدها،

لأن صوت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان أقوى من أصواتهم،

وثباته على دينه وعقيدته ومبادئه كان أعلى بكثير مما كان يتوقعه أعداؤه،

وكانت شمائله وأخلاقه تبعث النور إلى قلوب من يراه ويعرفه،

وكان من هؤلاء الذين دخل نور الهداية والإيمان

إلى قلوبهم أبي ذر الغفاري ـ رضي الله عنه ـ .

كان أبو ذر - رضي الله عنه ـ من قبيلة غفار الواقعة بين مكة والمدينة،

وقد اشتهرت هذه القبيلة بالسطو،

وقطع الطريق على المسافرين والتجار وأخذ أموالهم بالقوة .

وكان ـ رضي الله عنه ـ قبل إسلامه يأبى عبادة الأصنام،

وينكر على من يشرك بالله،

ولما سمع بأمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أرسل أخاه،

ليعلم له علم ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ ويسمع من قوله ثم يأتيه،

فانطلق الأخ حتى أتى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وسمع من قوله،

ثم رجع إلى أبي ذر فقال له : " رأيته يأمر بمكارم الأخلاق،

وكلامًا ما هو بالشعر "، فقال أبو ذر: ما شفيتني مما أردت،

وعزم على الذهاب بنفسه لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ .

ويروي لنا البخاري في صحيحه قصة إسلام أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ فيقول:

( قال لنا ابن عباس: ألا أخبركم بإسلام أبي ذر؟،

قال : قلنا : بلى، قال : قال أبو ذر : كنت رجلا من غفار ،

فبلغنا أن رجلا قد خرج بمكة يزعم أنه نبي ،

فقلت لأخي : انطلق إلى هذا الرجل كلمه وأتني بخبره ،

فانطلق فلقيه ثم رجع ، فقلت : ما عندك ؟

فقال : والله لقد رأيت رجلا يأمر بالخير وينهى عن الشر ،

فقلت له : لم تشفني من الخبر ، فأخذت جرابا وعصا ،

ثم أقبلت إلى مكة ، فجعلت لا أعرفه ، وأكره أن أسأل عنه ،

واشرب من ماء زمزم وأكون في المسجد ،

قال : فمر بي عليّ ـ رضي الله عنه ـ فقال : كأن الرجل غريب ؟!،

قال : قلت : نعم ، قال : فانطلق إلى المنزل ،

قال : فانطلقت معه ، لا يسألني عن شيء ولا أخبره ،

فلما أصبحت غدوت إلى المسجد لأسأل عنه ،

وليس أحد يخبرني عنه بشيء ، قال : فمر بي عليّ ،

فقال : أما نال للرجل يعرف منزله بعد ؟ قال : قلت : لا ،

قال : انطلق معي ، قال : فقال : ما أمرك ،

وما أقدمك هذه البلدة ؟ قال : قلت له : إن كتمت عليَّ أخبرتك ،

قال : فإني أفعل ،

قال : قلت له : بلغنا أنه قد خرج ها هنا رجل يزعم أنه نبي ،

فأرسلت أخي ليكلمه ، فرجع ولم يشفني من الخبر ،

فأردت أن ألقاه ، فقال له : أما إنك قد رشدت ،

هذا وجهي إليه فاتبعني ، ادخل حيث ادخل ،

فإني إن رأيت أحدا أخافه عليك ،

قمت إلى الحائط كأني أصلح نعلي وامض أنت ،

فمضى ومضيت معه حتى دخل ودخلت معه على النبي

ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فقلت له : اعرض علي الإسلام ،

فعرضه فأسلمت مكاني ، فقال لي : يا أبا ذر ،

اكتم هذا الأمر ، وارجع إلى بلدك ، فإذا بلغك ظهورنا فأقبل ،

فقلت : والذي بعثك بالحق ، لأصرخن بها بين أظهرهم ،

فجاء إلى المسجد وقريش فيه ، فقال : يا معشر قريش ،

إني أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ،

فقالوا : قوموا إلى هذا الصابئ ، فقاموا فضربت لأموت ،

فأدركني العباس فأكب عليَّ ثم أقبل عليهم ، فقال : ويلكم ،

تقتلون رجلا من غفار ، ومتجركم وممركم على غفار ،

فأقلعوا عني ، فلما أن أصبحت الغد رجعت ،

فقلت مثل ما قلت بالأمس ، فقالوا : قوموا إلى هذا الصابئ ،

فصنع بي مثل ما صنع بالأمس ، وأدركني العباس فأكب عليّ ،

وقال مثل مقالته بالأمس .

قال : فكان هذا أول إسلام أبي ذر ) .

من اللحظة الأولى لإسلام أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ

حمل هم الدعوة إلى الله، فدعا أخاه وأهله وقبيلته

للدخول في الإسلام فأسلموا جميعا ،

ففي رواية لمسلم أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال لأبي ذر:

( إنه قد وجهت لي أرض ذات نخل، لا أراها إلا يثرب،
فهل أنت مبلغ عني قومك، عسى الله أن ينفعهم بك ويأجرك فيهم،
فأتيت أنيسا فقال: ما صنعت؟، قلت: صنعت أني قد أسلمت وصدقت،
قال: ما بي رغبة عن دينك . فاحتملنا حتى أتينا قومنا غفارا،
فأسلم نصفهم، وكان يؤمهم إيماء بن رحضة الغفاري - وكان سيدهم،
وقال نصفهم: إذا قدم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ المدينة أسلمنا.
فقدم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأسلم نصفهم الباقي،
وجاءت أسلم فقالوا: يا رسول الله، إخوتنا،
نسلم على الذي أسلموا عليه، فأسلموا،
فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم: غفار غفر الله لها،
وأسلم سالمها الله ) .

ومن قصة إسلام أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ

يظهر لنا حكمة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وحرصه على أمن أصحابه وسلامتهم،

حيث أمر أبا ذر بالرجوع إلى أهله وكتمان أمره حتى يظهره الله،

فقال له :
( يا أبا ذر ، اكتم هذا الأمر، وارجع إلى بلدك، فإذا بلغك ظهورنا فأقبل )،

وصدق الله تعالى إذ قال عن نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ :

{ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ }

(التوبة: من الآية128) .

ومع فضل ومنزلة أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ،

الذي قال عنه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ:

( ما تُقِلُّ الغَبراءُ ولا تُظِلُّ الخضراءُ على ذي لهجةٍ
أصدقَ وأوفَى من أبي ذرٍّ ـ شبيهِ عيسى بن مريم ـ فاعرِفوا له )
رواه ابن حبان ،

ومع الأثر الدعوي الكبير له إذ أسلم قومه جميعا على يديه،

فإن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ رأى أنه لا يصلح للإمارة,

فلكل شخص مجاله الذي يصلح له, وميدانه الذي يقوم بواجبه فيه،

وهذا درس نبوي يبين حكمة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ

في تعامله وتربيته لأصحابه،

فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ قال:

( قلت: يا رسول الله ألا تستعملني؟،

قال: فضرب بيده على منكبي ثم قال: يا أبا ذر إنك ضعيف،

وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة،

إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها )
رواه مسلم .

قال النووي : " قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ:

( يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة،
وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها )،

وفي الرواية الأخرى:
( يا أبا ذر إني أراك ضعيفا وإني أحب لك ما أحب لنفسي،
لا تأمرن على اثنين ولا تولين مال يتيم ).

هذا الحديث أصل عظيم في اجتناب الولايات

لا سيما لمن كان فيه ضعف عن القيام بوظائف تلك الولاية،

وأما الخزي والندامة فهو في حق من لم يكن أهلا لها،

أو كان أهلا ولم يعدل فيها، فيخزيه الله تعالى يوم القيامة ويفضحه،

ويندم على ما فرط " .

والمتأمل في قصة إسلامِ أبي ذرّ وشخصيته عموماً،

يدركُ أثرَ تربية النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ

لأصحابه في تغيير عاداتهم وأخلاقهم إلى الأحسن والأفضل،

فغفارَ - التي ينتسب لها أبو ذرّ كانت من الشِّدة والقسوة

ما جعلَها في طليعة القبائل القائمة على الغارة والنهب والسَّلْب،

حتى إذا قذفَ اللهُ الإسلامَ في قلب أبي ذرّ وقومه تغيرت الحال،

وصار أبو ذرٍّ ـ رضي الله عنه ـ نموذجاً للزُّهد والعفاف،

حتى ودّعَ الدنيا وهو لا يملك من متاعها شيئا،

فقد روى ابن حبان في صحيحه عن أمِّ ذرٍّ - رضي الله عنها - قالت:

( لما حضرتْ أبا ذرٍّ الوفاةُ بكيتُ، فقال أبو ذر: ما يُبكيك؟

فقلتُ: ما لي لا أبكي وأنتَ تموتُ في فَلاةٍ من الأرض،

ليس عندي ثوبٌ يَسعُكَ كفناً، ولا يَدَانِ لي في تَغييبكَ،

قال: أبشري ولا تبكي،

فإني سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

يقولُ لنفرٍ أنا فيهم:

ليَموتَنّ رجلٌ منكم بفلاةٍ من الأرض يَشهدُهُ عصابةُ (جماعة) من المسلمين،

وليسَ أحدٌ من أولئكَ النفرِ إلا وقد ماتَ في قرية وجماعة،

فأنا ذلك الرجلُ، فوالله ما كَذَبْتُ ولا كُذِبْتُ، فأبصري الطريقَ.

فقلتُ: أَنّى وقد ذَهبَ الحاجُّ وتقطَّعتِ الطرقُ،

فقال: اذهبي فتبصَّري، قالت: فكنتُ أُسندُ إلى الكَثيبِ (الرمل) أتبصّرُ،

ثم أرجعُ فأمَرضهُ، فبينما أنا وهو كذلك،

إذ أنا برجالٍ على رحالِهم، كأنهم الرّخَمُ (نوع من الطير)،

تَخُبُّ بهم رواحلُهم،

قالت: فأشرتُ إليهم فأسرعوا إليّ حتى وقفوا عليَّ،

فقالوا: يا أمة الله ما لكِ؟ قلتُ: امرؤٌ من المسلمين تُكفِّنونه،

قالوا: ومن هو؟ قلت: أبو ذرٍّ،

قالوا: صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم-؟!،

قلتُ: نعم، فَفدَوه بآبائهم وأمهاتهم وأسرعوا عليه حتى دخلوا عليه،

فقال لهم: أبشروا،

فإني سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

يقول لنفرٍ أنا فيهم:

لَيَموتنّ رجلٌ منكم بفلاةٍ من الأرضِ يشهدُه عصابةٌ من المؤمنين،

وليس من أولئك النفرِ رجلٌ إلا وقد هلكَ (مات) في جماعة،

والله ما كَذَبتُ ولا كُذبتُ،

إنه لو كان عندي ثوبٌ يَسعُني كفنٌ لي أو لامرأتي

لم أكفّن إلا في ثوبٍ هو لي أو لها، فإني أُنشدكم اللهَ،

ألا يكفنني رجلٌ منكم كان أميراً أو عريفاً أو بريداً أو نقيباً

وليس من أولئك النفرِ أحدٌ إلا وقد قارفَ بعضَ ما قال
[u]
إلا فتىً من الأنصار، قال: أنا يا عمُّ أُكفنكَ في ردائي هذا،

وفي ثوبين من عَيبتي من غَزْلِ أُمي،

قال: فكفِّني، فكفّنه الأنصاريُّ،

وقاموا عليه وكفَّنوهُ في نَفَرٍ كلُّهم يَمانٍ ) .

رضي الله عن أبي ذر ،

وعن سائر أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ..

cheers cheers


Al_maroof
Al_maroof
نائب مدير
نائب مدير

اوسمتي منتدي عبير الاسلام
مساهماتي : 14235
نقاطي : 22524
تسجيلي : 30/10/2011
مزاجي مزاجي : محتسب وحامد لربي

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

ظ رد: ـ[ سيرة المصطفى من البعثة للهجرة ]ـ

مُساهمة من طرف Al_maroof السبت 08 يونيو 2013, 8:11 pm



... بداية البعثة النبوية ...


قبل بعثة النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم

كانت البشرية تعيش في ضلالات الجهل والشرك والإلحاد ،

وكانت العرب جزءاً من تلك البشرية الغارقة في الانحطاط ،

والتي تحتاج إلى من ينقذها وينتشلها مما هي فيه .

كان الجهل فاشياً، والظلم جاثماً،

والفوضى ضاربة بأطنابها في كل مكان، حقوق مسلوبة،

وأعراض منتهكة، وحياة بغير نظام ولا قانون،

ولا تشريع ولا تنظيم، سوى بعض العادات ،

والأعراف القبلية .

كان الأمن مفقوداً ، والسلب والنهب أمراً معهوداً ،

حياة لا أمان فيها ، ولا استقرار ، فالمقيم مهدد بالضرر،

والمسافر في وجل وخطر .

كان القتل ، والنهب ، واعتداء القوي على الضعيف ،

وكانت الحروب تنشأ لأتفه الأسباب ، فتزهق النفوس،

وترمل النساء ، وييتم الأطفال .

في ظل هذه الظروف وتلك الأوضاع ،

وبعد فترة من انقطاع الرسل بُعث النبي محمد صلى الله عليه وسلم،

على رأس الأربعين من عمره ؛

حيث جاءه جبريل وهو في غار حراء بأول ما نزل من القرآن ،

فقرأ عليه قوله تعالى :
{ اقرأ باسم ربك الذي خلق } (العلق :1) ،

ثم توالى نزول القرآن - الكتاب الخاتم -

وبدأ الرسول -صلى الله عليه وسلم- دعوته على مراتب خمس

كما ذكر ذلك ابن القيم-رحمه الله- في كتابه "زاد المعاد" :

المرتبة الأولى : النبوة ، والثانية : إنذار عشيرته الأقربين ،

والثالثة : إنذار قومه ، والرابعة : إنذار قوم ما أتاهم من نذير من قبله ،

وهم العرب قاطبة ، والخامسة :

إنذار جميع من بلغته دعوته من الجن والإنس إلى آخر الدهر .

فقام بمكة ثلاث سنوات يدعو إلى الله سراً

ثم جهر بالدعوة بعد نزول قول الله تعالى :

{ فاصدع بما تؤمرُ وأعرض عن المشركين }
(الحِجِر :94).


لقد كانت بعثته -صلى الله عليه وسلم - رحمة للعالمين ،

كما أخبر بذلك أصدق القائلين :

{ وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}
(الأنبياء :107) ،

وثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال :

( إنما أنا رحمة مهداة )
رواه الحاكم في "المستدرك" ، وصححه الألباني

فمن آمن به وصدقه ، فاز فوزاً عظيماً ، قال تعالى :

{ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً }
(الأحزاب :71)


ومن أعرض عن هدايته فقد ضل ضلالاً بعيداً ،

وخسر في الدنيا والآخرة ، قال تعالى :

{ومن أعرض عن ذكري فإنَّ له معيشةً ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى}
(طه :124)


كانت دعوته إلى الإيمان بالله وحده وعدم الشرك به ،

وإلى الفضيلة والرشد ، وإلى الأمانة والصدق

دعوة إلى الخير بكل أنواعه ،

وتحذيراً من الشر بكل أصنافه .

إنَّ بعثته - صلى الله عليه وسلم- كانت ميلاداً جديداً للبشرية ،

وتاريخاً عظيماً للإنسانية ، قال تعالى :

{ قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً
الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت
فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي
الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون}
(الأعراف :158).


فببعثته كَمُلَ للبشرية دينها ، وتم للإنسانية نعيمها

قال تعالى :
{اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا }
(المائدة :3) .


فكان الإسلام هو الدين الذي ارتضاه الله لعباده جميعاً ،

ولن يقبل الله من أحدٍ ديناً سواه ،

قال تعالى:
{ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه
وهو في الآخرة من الخاسرين}
(آل عمران : 85).


cheers


Al_maroof
Al_maroof
نائب مدير
نائب مدير

اوسمتي منتدي عبير الاسلام
مساهماتي : 14235
نقاطي : 22524
تسجيلي : 30/10/2011
مزاجي مزاجي : محتسب وحامد لربي

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

ظ رد: ـ[ سيرة المصطفى من البعثة للهجرة ]ـ

مُساهمة من طرف Al_maroof السبت 08 يونيو 2013, 8:24 pm



... بدء نزول الوحي دروس وعبر ...

العالم يقف على شفا حفرة من النار

والإنسانية تخطو بسرعة إلى الضلال والشقاء،

ورسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أتم أربعين سنة من عمره..

هنا ظهرت بشريات الصبح وطلائع السعادة،

وآن أوان البعثة، فتم أعظم لقاء في حياة البشرية،

لقاء جبريل عليه السلام مع محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ،

فلقد أشرق نور الإسلام، ونزل جبريل عليه السلام بأمر الواحد الأحد

يحمل أعظم رسالة، إلى أفضل رسول ـ محمد صلى الله عليه وسلم ـ ليغير الحياة،

ويأخذ بيد الإنسانية التائهة،

وينشر الإيمان والعدل، والتوحيد والنور .

ولنستمع إلى عائشة ـ رضي الله عنها ـ

وهي تحدثنا عن بداية نزول وإشراق الوحي فتقول :

( أول ما بدئ به رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ
من الوحي هو الرؤيا الصالحة في النوم،
فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح،
ثم حُبِب إليه الخلوة، وكان يخلو في غار حراء،
يتحنث (يتعبد) فيه الليالي ذوات العدد،
قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك،
ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها،
حتى جاءه الحق وهو في غار حراء،
فجاءه الملَك فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ،
قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجَهد،
ثم أرسلني فقال اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ،
قال فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد،
ثم أرسلني فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ،
فأخذني فغطنى الثالثة ثم أرسلني فقال:

{ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ }
(العلق3:1)،

فرجع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يرجف فؤاده،

فدخل على زوجته خديجة بنت خويلد ـ رضي الله عنها ـ،

فقال: زملوني، زملوني، فزملوه حتى ذهب عنه الروع،

فقال لخديجة : لقد خشيت على نفسي، فقالت خديجة :

كلا والله ما يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم،

وتحمل الكَََل، وتكَسب المعدوم، وتَقري الضيف،

وتعين على نوائب الحق،

فانطلقت به خديجة حتى أتت ورقة بن نوفل ابن عمها،

وكان امرًأً تنصر بالجاهلية،

وكان يكتب الكتاب العبراني من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله له أن يكتب،

وكان شيخا كبيرا قد عمي، فقالت له خديجة : يا ابن عم،

اسمع من ابن أخيك، فقال له ورقة : يا ابن أخي ما ذا ترى؟

فأخبره رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما رأى،

فقال له ورقة :

هذا الناموس( جبريل عليه السلام)

الذي نزّل الله على موسى، يا ليتني فيها جذعا (شابا)،

ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك، فقال: أَوَ مُخرجي هم؟،

قال نعم، لم يأت رجل قَط بمثل ما جئت به إلا عودي،

وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا،

ثم لم ينشب ورقة أن توفي، وفتر الوحي
( البخاري )


لا شك أن هذا الحدث يحمل في طياته العديد من الدلالات والمعاني

التي ينبغي أن نقف معها للتأمل والاعتبار، وهي كثيرة منها:

معجزة الوحي، فحقيقة الوحي معجزة خارقة للسنن الطبيعية،

حيث أُوحي إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ القرآن الذي هو كلام الله،

وقد ترتب عليه جميع حقائق الدين بعقائده وتشريعاته وأخلاقه،

ولذلك اهتم المستشرقون والمشركون من قبلهم بالطعن والتشكيك في حقيقة الوحي،

وحاولوا أن يحرفوا ظاهرة الوحي عن حقيقتها وعما جاءنا في صحاح السنة الشريفة،

وحدثنا به المؤرخون الثقات، فقائل يقول : حديث نفس،

وآخر يقول: إشراق روحي وإلهام .

والحقيقة تقول إن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ،

وهو في غار حراء فوجئ بجبريل أمامه يراه بعينيه،

وهو يقول له اقرأ،

حتى يتبين أن ظاهرة الوحي ليست أمراً ذاتياً داخلياً مرده إلى حديث النفس،

وإنما هو استقبال وتلقِ لحقيقة خارجية لا علاقة لها بالنفس والإلهام،

ثم إن ضم جبريل إياه وإرساله ثلاث مرات قائلاً في كل مرة: اقرأ،

يعتبر تأكيداً لهذا التلقي الخارجي،

ومبالغة في نفي ما قد يُتصور من أن الأمر لا يعدو كونه خيالاً أو حديث نفس،

مما يدعيه محترفو التشكيك في الإسلام والتلبيس على المسلمين،

من أعداء الإسلام ومن سار وراءهم . .

ولقد أصيب النبي - صلى الله عليه وسلم - بالخوف مما سمع ورأى،

وأسرع إلى بيته يرجف فؤاده ،

وهذا يدل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم -

لم يكن متشوقاً للرسالة التي سيُكَلف بثقلها وتبليغها للناس،

وقد قال الله تعالى تأكيداً لهذا المعنى:

{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا
مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ
وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا
وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ
(الشورى:52) .


ومن دلالات بداية نزول الوحي ومعانيه التي ظهرت بصورة واضحة

قيمة العلم ومنزلته في الإسلام، فأول كلمة هي الأمر بالقراءة

{ اقرأ باسم ربك }، وفي ذلك إشادة بالعلم وفضله ،

والقلم وخطره، فللعلم منزلته في بناء الأفراد والشعوب والأمم،

ومازال الإسلام يحث على العلم ويأمر به ، ويرفع درجة أهله ،

ويميزهم على غيرهم ، قال تعالى :

{ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير }
(المجادلة: من الآية11)،


وقال سبحانه :
{ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ }
(الزمر: من الآية9)..

والعلم النافع من الله، الذي علم بالقلم، وعلم الإنسان ما لم يعلم ،

ومتى حادت البشرية وابتعدت عن منهج الله ،

رجع علمها وبالا عليها، وكان سببا في إبادتها ..

كما ظهر أيضا مع نزول الوحي فضل الرؤيا الصالحة التي يراها المؤمن أو تُرى له،

فقد كانت الرؤيا الصالحة بداية إشراق شمس النبوة ،

ففي حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ،

أن أول ما بدئ به رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ

من الوحي الرؤيا الصالحة ، وتسمي أحيانا الرؤيا الصادقة،

والمراد بها الرؤيا الطيبة التي ينشرح لها الصدر وتزكو بها الروح،

والرؤيا الصالحة للمؤمن من البشرى في الحياة الدنيا،

فقد ورد عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال:

( أيها الناس إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة، يراها المسلم أو تُرَى له )
( ابن ماجه )


ومن خلال مرحلة بداية نزول الوحي علمنا بركة الخلوة من أجل العبادة،

واعتزال أصحاب السوء والمعاصي، يدل على ذلك قول الله تعالى عن إبراهيم ـ عليه السلام ـ:

{ وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيّاً }
(مريم:48)،

وقبيل النبوة حُبِب إلى نفس النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الخلوة ،

فاتخذ غار حراء مكانا للعبادة، لينقطع عن مشاغل الحياة ومخالطة الخلق،

وفي ذلك إشارة إلى حاجة المسلم إلى بعض الوقت من الخلوة،

يتفكر في مظاهر الكون وآياته، ودلائل عظمة الله، ومحكم تدبيره،

وعظيم إبداعه، ولذلك كان من سنن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ

سنة الاعتكاف في المسجد، لتنقية القلب من الشوائب والآفات، ومحاسبة النفس..

والداعية إلى الله بوجه خاص بحاجة ماسة إلى زاد يعينه على مواصلة سيره ودعوته،

ومواجهة العوائق والعقبات..

فالتكذيب والإخراج والإيذاء سنة من سنن الأمم مع من يدعوهم إلى الله عز وجل،

وقد ظهر هذا المعنى بصورة جلية من قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ:

( أوَ مخرجي هم ؟ )، وقول ورقة بن نوفل :

لم يأت رجل بمثل ما جئت به إلا عودي.

ولقد أكد القرآن الكريم هذا المعنى في آيات كثيرة،

كما قال تعالى عن قوم لوط:

{ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ }
(النمل:56)،

وعن قوم شعيب :

{ قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ
لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا
أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ }
(الأعراف:88)،


وقال تعالى:
{ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا
أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ }
(إبراهيم:13) ..


كما أن هذا الحدث أشار إلى أهمية وفضل الزوجة الصالحة

( خديجة رضي الله عنها):

فالزوجة لها دور عظيم في نجاح زوجها في مهمته في هذه الحياة،

وأمنا خديجة ـ رضي الله عنها ـ كانت مثالا للزوجة الصالحة التي تعين زوجها،

وتقف إلى جانبه، وتفرج همه بكلمة طيبة وموقف حسن،

وقد اتضح ذلك في وقوفها ـ رضي الله عنها ـ بجانب النبي

ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو يواجه الوحي أول مرة،

وما قامت به مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حياتها كلها،

ومن ثم قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ :

( الدنيا متاع، وخير متاع الدنيا الزوجة الصالحة )
( مسلم ) .

وورد في فضل خديجة ـ رضي الله عنها ـ،

أن جبريل عليه السلام، قال للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ :

( هذه خديجة أقرئها السلام من ربها،
وأمره أن يبشرها ببيت في الجنة من قصب (لؤلؤ أو ذهب)،
لا صخب فيه ولا نَصَب )
(متفق عليه). .


لقد كانت لحظة بدء نزول الوحي حدثا ضخما

بحقيقته وآثاره في حياة البشرية،

وهذه اللحظة تُعد ـ بغير مبالغة ـ

أعظم لحظة مرت على الأرض في تاريخها الطويل،

فقد تكرم الله عز وجل على البشرية باختيار محمد

ـ صلى الله عليه وسلم ـ

ليكون نوره ورسوله إليها..




cheers



Al_maroof
Al_maroof
نائب مدير
نائب مدير

اوسمتي منتدي عبير الاسلام
مساهماتي : 14235
نقاطي : 22524
تسجيلي : 30/10/2011
مزاجي مزاجي : محتسب وحامد لربي

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

ظ رد: ـ[ سيرة المصطفى من البعثة للهجرة ]ـ

مُساهمة من طرف Al_maroof الأحد 09 يونيو 2013, 3:37 am


[b]

... فتور الوحي ... الأسباب والمظاهر ...

كم كانت فرحة النبي - صلى الله عليه وسلم -

عندما بشّره جبريل عليه السلام بالوحي أوّل مرة ،

فقد وجد أخيراً جواباً للكثير من الأسئلةٍ التي ظلّت تؤرّقه زماناً طويلا،

وأبصر طريق الخلاص من ضلال قومه وممارساتهم ،

ولكن سرعان ما تحوّلت مشاعر الفرحة إلى حزنٍ شديد ،

حينما توقّف الوحي وانقطع فترةً بعد ذلك.

وجاءت هذه الحادثة ، بعد ذهاب النبي - صلى الله عليه وسلم -

و خديجة رضي الله عنها إلى ابن عمها ورقة بن نوفل ، ،

وتفسير ورقة لحقيقة ما رآه في الغار ،

وإنذاره بعداوة قومه له ،

حيث تأخّر الوحي عن النزول عدّة أيّام كما تفيده الروايات الصحيحة .

ويظهر من سياق القصّة ،

أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حزن حزناً شديداً ،

وذلك بسبب أنه فسّر تأخّر الوحي بانقطاع النبوّة ،

وزوال الاصطفاء من الله تعالى له ،

فكان عليه الصلاة والسلام بحاجة إلى وحيٍ يعيد له طمأنينته ،

ويزيل عنه الهواجس المتعلّقة بانقطاع الرسالة .

وقد حصل له - صلى الله عليه وسلم - ما يؤكد نبوته

ويقطع الشك باليقين ،

وذلك عندما جاءه جبريل عليه السلام مرة أخرى

على صورة ملك جالس على كرسي بين السماء والأرض ،

فأخذته رجفةٌ شديد حتى سقط على الأرض ،

ثم عاد إلى أهله مسرعاً ،

ولما دخل على خديجة رضي الله عنها قال لها :

( دثّروني ، وصبّوا عليّ ماء باردا ) ،

فنزلت الآيات الكريمة:

{ يا أيها المدثر ، قم فأنذر ، وربك فكبر ، وثيابك فطهر ، والرجز فاهجر }
( المدثّر : 1 – 5 ) ،

وكان نزول هذه الآيات إعلاماً للنبي – صلى الله عليه وسلم – بنبوّته ،

وتكليفاً له بتحمّل أعباء هذا الدين ،

والقيام بواجب الدعوة والبلاغ .

وقد ذكر العلماء بعض الحِكَم من انقطاع الوحي تلك الفترة ،

كذهاب الخوف والفزع الذي وجده - صلى الله عليه وسلم -

عندما نزل عليه الوحي أول مرة ،

وحصول الشوق والترقب لنزول الوحي مرة أخرى ،

بعد تيقّنه أنه رسول من الله ،

وأن ما جاءه هو سفير الوحي ينقل إليه خبر السماء ،

وبذلك يصبح شوقه وترقبه لمجيء الوحي

سبباً في ثباته واحتماله لظاهرة الوحي مستقبلاً .


cheers cheers cheers


[b]
Al_maroof
Al_maroof
نائب مدير
نائب مدير

اوسمتي منتدي عبير الاسلام
مساهماتي : 14235
نقاطي : 22524
تسجيلي : 30/10/2011
مزاجي مزاجي : محتسب وحامد لربي

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

ظ رد: ـ[ سيرة المصطفى من البعثة للهجرة ]ـ

مُساهمة من طرف Al_maroof الإثنين 10 يونيو 2013, 7:34 pm



... إسلام أبي بكر الصديق رضي الله عنه ...

بادر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى صديقه الحميم أبي

ـ رضي الله عنه ـ ليخبره بما أكرمه الله به من النبوة والرسالة،

ويدعوه إلى الإيمان به، فآمن به دون تردد

وشهد شهادة الحق، فكان أول من آمن بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الرجال،

إذ كان من أخص أصحابه قبل البعثة، عارفا به ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبأخلاقه،

وكان يعلم من صدق النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ

وأمانته ما يمنعه من الكذب على الخلق، فكيف يكذب على الله؟!.

ولذا بمجرد ما ذكر له النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن الله أرسله رسولا،

سارع إلى تصديقه والإيمان به، ولم يتردد..

وقد روى ابن إسحاق عن بداية إسلام أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ فقال:

حدثني محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله الحصين التميمي

أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال:

( ما دعوت أحدا إلى الإسلام إلا كانت عنده كبوة و تردد و نظر،

إلا أبا بكر ما عكم عنه حين دعوته، و لا تردد فيه )

ما عكم: ما تباطأ بل سارع ..

يقول ابن إسحاق :

" .. كان أبو بكر رجلا مؤلفا لقومه محببا سهلا،

وكان أنسب قريش لقريش، وأعلم قريش بها،

وبما كان فيها من خير وشر، وكان رجلا تاجرا، ذا خلق ومعروف،

وكان رجال قومه يأتونه ويألفونه لغير واحد من الأمر،

لعلمه وتجارته وحسن مجالسته، فجعل يدعو إلى الله وإلى الإسلام،

من وثق به من قومه ممن يغشاه ويجلس إليه ".

لقد كان أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ كنزاً من الكنوز،

ادخره الله تعالى لنبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وكان من أحب قريش لقريش،

فذلك الخُلق السمح الذي وهبه الله تعالى إياه جعله من الذين يألفون ويؤلفون،

والخُلق السمح وحده عنصر كاف لألفة القوم،

وهو الذي قال فيه الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ :

( أرحم أمتي بأمتي أبو بكر )
( الترمذي ) .

ولما كان رصيده ـ رضي الله عنه ـ العلمي والاجتماعي في المجتمع المكي عظيماً،

استجاب له في دعوته للإسلام صفوة من خيرة الخلق، من العشرة المبشرين بالجنة،

منهم:
عثمان بن عفان
وعبد الرحمن بن عوف،
وسعد بن أبي وقاص،
والزبير بن العوام،
وطلحة بن عبيد الله
رضي الله عنهم أجمعين ـ ..

وكان هؤلاء الأبطال الخمسة أول ثمرة من ثمار الصديق - رضي الله عنه -،

دعاهم إلى الإسلام فاستجابوا،

وجاء بهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فُرادَى،

فأسلموا بين يديه، فكانوا الدعامات الأولى التي قام عليها صرح الدعوة،

وكانوا العدة الأولى في تقوية جانب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -،

ثم تتابع الناس يدخلون في دين الله أفواجا .

إن تحرك أبي بكر - رضي الله عنه - في الدعوة إلى الله تعالى،

يوضح صورة من صور الإيمان بهذا الدين

والاستجابة لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم -،

صورة المؤمن الذي لا يقر له قرار، ولا يهدأ له بال،

حتى يحقق في دنيا الناس ما آمن به،

دون أن تكون انطلاقته دفعة عاطفية مؤقتة،

سرعان ما تخمد وتذبل وتزول،

فقد ظل نشاط أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ

وحماسه إلى دينه ودعوته حتى توفاه الله،

ولم يفتر أو يضعف .

ومن الملاحظ والمشاهد في عالم الواقع،

أن أصحاب الجاه لهم أثر كبير في كسب أنصار للدعوة،

ولهذا كان أثر أبي بكر - رضي الله عنه - في الإسلام أكثر من غيره ..

فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال:

قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ:

( ما نفعني مال قط، ما نفعني مال أبي بكر .

فبكى أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ وقال:

وهل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله )
( ابن ماجة ) .

وبعد أن كانت صحبة الصديق ـ رضي الله عنه ـ لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ

مبنية على مجرد الاستئناس والتوافق النفسي والخُلُقي،

صارت الصحبة بالإيمان بالله، وبالمؤازرة في الشدائد،

واتخذ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أبا بكر ـ رضي الله عنه ـ

صاحبا له طوال حياته ..

وقد لقب ـ رضي الله عنه ـ في القرآن الكريم بالصاحب،

قال تعالى:
{ إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين
إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبِه لا تحزن إن الله معنا
فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها
وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا
والله عزيز حكيم }
(التوبة الآية:40)،

وقد أجمعت الأمة على أن الصاحب المقصود هنا

هو أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ .

ولقب كذلك ـ رضي الله عنه ـ بالصديق،

لكثرة تصديقه للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ،

وفي هذا تروي أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ فتقول:

( لما أسري بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى المسجد الأقصى،

أصبح يتحدث الناس بذلك، فارتد ناس كانوا آمنوا به وصدقوه،

وسعى رجال إلى أبي بكر ، فقالوا: هل لك إلى صاحبك؟،

يزعم أن أُسْرِي به الليلة إلى بيت المقدس،

قال: وقد قال ذلك؟ قالوا: نعم،

قال: لئن قال ذلك فقد صدق .

قالوا: أوَ تصدقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس،

وجاء قبل أن يصبح؟!، قال نعم،

إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك،

أصدقه بخبر السماء في غدوة أو روحة،

فلذلك سمي أبو بكر الصديق )
( الحاكم ) .

وعن أنس ـ رضي الله عنه ـ :

أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ صعد أُحُداً،

و أبو بكر وعمر وعثمان ، فوجف بهم،

فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ:

( اثبت أحد، ما عليك إلا نبي، وصديق، وشهيدان )
( أحمد ).

والشهيدان: عمر وعثمان ـ رضي الله عنهما ـ،

والصديق: أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ ..

لقد شرف الله أبا بكر ـ رضي الله عنه ـ بصحبة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ

وملازمته والقرب منه حيا وميتا،

فقد دفن ـ رضي الله عنه ـ بجوار النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ،

ومن ثم فلا يجتمع في قلب عبد حب الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبغض أبى بكر ،

وتعظيم الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ

والحط من منزلة أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ ..

وبعد إسلام أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ مضت الدعوة إلى الله في مهدها الأول،

سرية وفردية، وقائمة على الاصطفاء والاختيار للعناصر

التي تصلح أن تتكون منها الجماعة المؤمنة،

التي ستسعى لإقامة دولة الإسلام، ودعوة الناس إلى دين الله،

والتي ستقوم حضارة ربانية لا مثيل لها على أيديهم،

وكان أبو بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ من أعمدة هذه الدعوة ..


cheers cheers


Al_maroof
Al_maroof
نائب مدير
نائب مدير

اوسمتي منتدي عبير الاسلام
مساهماتي : 14235
نقاطي : 22524
تسجيلي : 30/10/2011
مزاجي مزاجي : محتسب وحامد لربي

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

ظ رد: ـ[ سيرة المصطفى من البعثة للهجرة ]ـ

مُساهمة من طرف Al_maroof الإثنين 10 يونيو 2013, 7:47 pm



... الإسلام في مرحلة الدعوة السرية ..
.


في بيئةٍ سادت فيها الوثنيّة بين القبائل العربيّة زمانا طويلاً ،

وتربّى فيها أهلها على العصبيّة المقيتة والحميّة الجاهلية ،

وضاعت فيها معالم الديانات السماوية ،

وانتكست فيها الفطر والمفاهيم حتى صار الباطل حقّاً ،

والفضيلة رذيلة ،

لم يكن أمام النبي - صلى الله عليه وسلم -

تجاه هذا الواقع سوى أن يؤجّل الإعلان بدعوته على الملأ ،

ويكتفي بدعوة من حوله سرّاً ،

حتى لا يكون الصدام المباشر في أوّل الأمر

سبباً في فشل مهمّته التي بعثه الله بها .

وكان من الطبيعي أن يبدأ - صلى الله عليه وسلم -

بعرض الإسلام على أهله وأقرب الناس إليه ،

وفي مقدّمتهم زوجته خديجة رضي الله عنها ،

فكانت أوّل من آمن به على الإطلاق ،

وأوّل من استمع إلى الوحي الإلهي

من فم النبي - صلى الله عليه وسلم - ،

وأول من وقف على شهادة أهل الكتاب

بصدق نبوّته من خلال عمّها ورقة بن نوفل .

ثم عرض - صلى الله عليه وسلم - الإسلام على ابن عمّه علي بن أبي طالب ،

فسارع إلى الإجابة على الرغم من صغر سنّه ،

ثم أسلم مولاه زيد بن حارثة ،

وأسلمت بناته زينب وأم كلثوم وفاطمة ورقيّة رضي الله عنهنّ ،

وبذلك حاز بيت النبوّة على شرف الأسبقيّة في الإسلام .

وبعد ذلك انتقل النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى دائرة أصحابه ومعارفه ،

فدعا أبا بكر رضي الله عنه ،

الذي لم يتردّد لحظةً في تصديقه والإيمان به ،

وقد حفظ النبي - صلّى الله عليه وسلم - له هذا الفضل فقال :

( ما دعوت أحداً إلى الإسلام إلا كانت عنده كبوة ، وتردّد ونظر ، إلا أبابكر )
رواه ابن إسحاق .

وكان في إسلام أبي بكر رضي الله عنه فاتحة خيرٍ على الإسلام ودعوته ،

فقد كانت قريشٌ تحبّه لسعة علمه وحسن ضيافته ،

ومكانته كرجلٍ من كبار التجّار الذين لهم ثقلٌ في المجتمع المكّي ،

ولذلك استجاب له الكثير من الناس ، ومنهم : عثمان بن عفّان ،

و طلحة بن عبيد الله ، و الزبير بن العوّام ، و سعد بن أبي وقاص ،

و عبدالرحمن بن عوف ، و عثمان بن مظعون ،

و أبو سلمة بن عبد الأسد ، و أبو عبيدة بن الجراح ،

و الأرقم بن أبي الأرقم ، و خبّاب بن الأرت ،

و عمار بن ياسر وأمّه ، رضي الله عنهم أجمعين .

وسارع كل واحدٍ من هؤلاء إلى دعوة من يطمئنّ إليه ويثق به ،

فأسلم على أيديهم جماعة من الصحابة ،

حتى وصل عدد الذين أسلموا في تلك الفترة

- وفقاً لمصادر السيرة -

ما يزيد على الأربعين ما بين رجلٍ وامرأة ،

وهؤلاء هم السابقون الأوّلون الذين ذكرهم الله عزّوجل في قوله :

{ والسابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار }
( التوبة : 100 ) .


وقد يبدو هناك شيء من التعارض في الروايات التي تحدّد أوائل من أسلم ،

وهذا الاختلاف يرجع سببه إلى كتمان هؤلاء الصحابة خبر إسلامهم .

وبمراجعة أسماء أوائل من أسلم من الصحابة نلاحظ

انتماءهم إلى قبائل من داخل قريشٍ وخارجها ،

فقد كانوا من "بني أميّة وبني أسد وبني عبد الدار

وبني جمح وبني زهرة ومذحج ودوس " وغيرها ،

وفيه دلالةٌ واضحةٌ على معالم هذه الدعوة الجديدة ،

وبعدها عن الدعوات العصبيّة الجاهليّة ،

ولو كانت كذلك لكان بنو هاشم قوم النبي

- صلى الله عليه وسلم - أوفر الناس حظّاً ،

وأكثرهم أتباعاً لهذه الدعوة الجديدة .

ومما يُشار إليه هنا أيضاً أن أغلب من أسلم في تلك الفترة

كان من وجهاء قومه ومن أشرافهم،

ولم يكن بينهم من الموالي سوى ثلاثة عشر رجلاً ،

مما يدل على أن دعوة الإسلام لم تكن مجرّد ثورة على الأغنياء والوجهاء ،

أو هروباً من حياة العبودية والفقر ،

وإنما كانت رسالةً قائمة على إخراج الناس من الظلمات إلى النور ،

وعقيدة صافيةً تصحّح علاقتهم مع خالقهم ،

ومنهجاً ربّانيّاً ينظّم حياتهم .

واستمرّ النبي - صلى الله عليه وسلم -

في هذه الدعوة السرّية أكثر من ثلاث سنوات ،

ظلّ فيها يعلّم حقائق التوحيد ،

ويغرس معاني الإيمان ومحاسن الأخلاق ،

وتمّ اختيار دار الأرقم بن أبي الأرقم لهذه المهمّة .

وفي هذه الفترة شُرعت الصلاة ركعتين في الصباح ،

وركعتين في المساء ،

وذلك في قوله تعالى :

{ وسبح بحمد ربك بالعشيّ والإبكار }
( غافر : 55 ) ،

وكان الصحابة يستخفون بصلاتهم في الوديان والشعاب

لئلا يفتضح أمرهم .

واستمرّ الناس في الانضمام تحت لواء الدين الجديد

حتى تكوّنت الجماعة الإسلاميّة الأولى واشتدّ عودها ،

وحان الانتقال إلى مرحلة المواجهة والجهر بالدعوة ،

بما قد تحمله من أذى وتعذيب وتضحيات ،

وكانت البداية عند نزول قوله تعالى:

{ وأنذر عشيرتك الأقربين }
( الشعراء : 214)


cheers cheers


Al_maroof
Al_maroof
نائب مدير
نائب مدير

اوسمتي منتدي عبير الاسلام
مساهماتي : 14235
نقاطي : 22524
تسجيلي : 30/10/2011
مزاجي مزاجي : محتسب وحامد لربي

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

ظ رد: ـ[ سيرة المصطفى من البعثة للهجرة ]ـ

مُساهمة من طرف Al_maroof الإثنين 10 يونيو 2013, 7:59 pm



... المدرسة الدعوية في دار الأرقم بن أبي الأرقم ...


اختار رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ

دار الأرقم بن أبي الأرقم ليجتمع فيها بالمسلمين سرًا،

حفاظا على دعوته وأصحابه، إذ كانت بعيدة عن أعين الطغاة وتفكيرهم،

وكانت على جبل الصفا، وهي بمعزل عن المتربصين بالمسلمين في مكة،

وكانت - فضلاً عن ذلك - للأرقم بن أبى الأرقم ،

وهو من السابقين الأولين الذين استجابوا لله والرسول .

وكان الأرقم ـ رضي الله عنه ـ في السادسة عشر من عمره يوم أسلم،

ويوم أن تفكر قريش في البحث عن مركز تجمع المسلمين،

لن يخطر في بالها أن تبحث في بيوت الفتيان الصغار،

بل يتجه نظرها إلى بيوت كبار الصحابة،

وهذا من حكمة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ .

وفي هذه الدار المباركة، كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ

يلتقي بأصحابه ـ رضي الله عنهم ـ، يتلو عليهم آيات الله ويزكيهم،

ويعلمهم أمور دينهم، ويباحثهم في شأن الدعوة وما وصلت إليه،

ويسمع شكواهم وما يلقونه من أذى المشركين وكيدهم،

ويتحسس آلامهم وآمالهم، ويطلب منهم الصبر والثبات على دينهم،

ويبشرهم أن العاقبة للمتقين .

وقد اتخذ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ دار الأرقم مقرا سريا لدعوته،

والحفاظ على أصحابه وتربيتهم وإعدادهم،

بعد المواجهة التي حدثت بين سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه ـ وقريش ..

قال ابن إسحاق :

" .. كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

إذا صلوا ذهبوا في الشعاب، فاستخفوا بصلاتهم من قومهم،

فبينما سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -

في نفر من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

في شِعب من شعاب مكة،

إذ ظهر عليه نفر من المشركين وهم يصلون، فناكروهم،

وعابوا عليهم ما يصنعون حتى قاتلوهم،

فضرب سعد بن أبي وقاص يومئذ رجلاً من المشركين بلحي بعير فشجه،

فكان أول دم أهرق في الإسلام ".

ومن ثم أصبحت دار الأرقم بن أبي الأرقم ـ رضي الله عنه ـ

مركزاً للدعوة السرية، يتجمع فيه المسلمون،

ويتلقون عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كل جديد من الوحي،

ويتربون على يديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ .

لقد مرت الدعوة النبوية بمرحلتين أساسيتين:

مرحلة الدعوة السرية،
وكانت ثلاث سنين بمكة المكرمة،

ومرحلة الدعوة الجهرية
وهي ما بعد ذلك .

فكانت طبيعة المرحلة الأولى تتطلب سرية العمل الدعوي،

ريثما تتهيأ الظروف المناسبة للجهر بها،

وكانت دار الأرقم هي المكان المناسب لذلك،

والسرية في بداية الدعوة، كانت لضرورة فرضها الواقع،

وإلا فالأصل هو بيان دين الله وشرعه للناس جميعا .

واقتضت حكمة الله ـ سبحانه ـ

أن تبقى دعوة الإسلام ضمن مجالها السري في دار الأرقم ،

إلى أن هيأ الله لها من الأسباب ما مكنها من إشهار أمرها وإعلان رسالتها

{ والله غالب على أمره ولكن أكثر الناسِ لا يعلمون }
(يوسف: من الآية21)..


ومن خلال هذه المرحلة ـ كغيرها من مراحل سيرة النبي

ـ صلى الله عليه وسلم ـ ظهرت حكمة النبي - صلى الله عليه وسلم -،

وأنه كان يهتم بالتخطيط الدقيق، ويحسب لكل خطوة حسابها،

فقد كان مدركاً أنه سيأتي اليوم الذي يؤمر فيه بالدعوة علناً وجهراً،

وأن هذه المرحلة سيكون لها شدتها وصعوبتها على المسلمين،

ومن ثم فحاجة الجماعة المؤمنة تقتضي

أن يلتقي الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ المُرَبِي مع أصحابه،

ليعلمهم ويربيهم ويشحذ هممهم، ويعدهم ليكونوا بناة الدولة المسلمة،

وحملة الدعوة،

واللبنة الأولى التي قام عليها هذا الصرح العظيم ..

ومن ثم استمر النبي - صلى الله عليه وسلم -

في دعوته السرية وتربيته لأصحابه في دار الأرقم ،

حتى أصبحت هذه الدار أعظم مدرسة للتربية والإعداد عرفها التاريخ،

إذ تخرج منها قادة حرروا البشرية من رق العبودية،

وأخرجوهم من الظلمات إلى النور،

بعد أن رباهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ .

وقد حرص ـ عليه الصلاة والسلام ـ

حرصاً شديداً على أن يكون القرآن الكريم هو المنهج الذي يربى عليه أصحابه،

وألا يختلط تعليمهم وتربيتهم بشيء من غير القرآن،

وكانت قلوب الصحابة وأرواحهم تتفاعل مع القرآن وتنفعل به،

فيتحول الواحد منهم إلى إنسان جديد بقيمه ومشاعره، وأهدافه وسلوكه،

وتطلعاته وأمنياته، ومن ثم أدرك الصحابة وتعلموا ـ في دار الأرقم ـ

أن القرآن وحده وتوجيهات النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ هما:

المنهج للحياة والدعوة، والدستور للواقع والدولة،

فكانوا من شدة تلهفهم إلى معرفة أوامر الله

وأوامر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ،

إذا سمعوا أحداً يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -،

ابتدرته أبصارهم، كما يقول ذلك عبد الله بن عباس - رضي الله عنه ـ ..

وعلى ذلك تربى الجيل الفريد من هذه الأمة،

فكانوا يلتمسون من آيات القرآن الكريم،

وسنة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ

ما يوجههم في كل شأن من شؤون حياتهم ..

لقد كانت مرحلة دار الأرقم ،

مرحلة هامة في تربية وإعداد الصحابة،

ومدرسة رَبَّى فيها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أفذاذ الرجال،

الذين حملوا راية التوحيد والجهاد والدعوة،

فدانت لهم الجزيرة العربية،

وقاموا بالفتوحات الإسلامية العظيمة في نصف قرن ..

cheers

Al_maroof
Al_maroof
نائب مدير
نائب مدير

اوسمتي منتدي عبير الاسلام
مساهماتي : 14235
نقاطي : 22524
تسجيلي : 30/10/2011
مزاجي مزاجي : محتسب وحامد لربي

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

ظ رد: ـ[ سيرة المصطفى من البعثة للهجرة ]ـ

مُساهمة من طرف Al_maroof الإثنين 10 يونيو 2013, 8:06 pm



... دار الأرقم ...


لقد مرت الدعوة النبوية بمرحلتين أساسيتين:

مرحلة الدعوة السرية،
وكانت ثلاث سنين بمكة المكرمة،

ومرحلة الدعوة الجهرية
وهي ما بعد ذلك.

وكانت طبيعة المرحلة الأولى تتطلب سرية العمل الدعوي،

ريثما تتهيأ الظروف المناسبة للجهر بها،

وكانت دار الأرقم،

هي المكان المناسب لمثل هذه الظروف من أيام الدعوة.

كانت هذه الدار - دار الأرقم - على جبل الصفا ،

ذلك الجبل المنعزل عما يدور حوله ،

فهي إذن بمعزل عن أعين الأعداء والمتربصين،

وكانت - فضلاً عن ذلك -

للأرقم بن أبى الأرقم بن أسد بن عبد الله المخزومي

وكان اسمه عبد مناف ،

وهو من السابقين الأولين الذين استجابوا لله والرسول،

وباعوا عَرَض الدنيا لأجل الآخرة،

وآثروا تحمل الأذى والعذاب على حياة الشرك والكفر،

فقد توافرت - لهذه الدار - صفات عدة

جعلت منها منطلقاً ومناراً لهذه الدعوة الناشئة.

والذي دعا الرسول صلى الله عليه وسلم

لاختيار هذه الدار عدة أسباب، منها :

1- أن صاحب هذه الدار وهو الأرقم لم يكن معروفا بإسلامه،
فلم يكن يخطر ببال أحد من المشركين
أن يجتمع النبي صلى الله عليه وسلم
والصحابة في هذه الدار.

2- أن الأرقم بن أبي الأرقم كان فتى عند إسلامه،
ولم تفكر قريش أن هناك تجمع إسلامي عند أحد الفتيان،
بل إن نظرها كان يتجه في الغالب إلى بيوت كبار الصحابة.

3-أن هذه الدار كانت قريبة من الكعبة المشرفة .

وفي هذه الدار المباركة،

التقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه رضي الله عنهم،

وتلقوا عنه تعاليم الإسلام وتوجيهاته الكريمة،

حيث كان صلى الله عليه وسلم يتلو عليهم ما ينزل عليه من القرآن الكريم،

ويعلمهم أمور دينهم ويباحثهم في شأن الدعوة،

وما وصلت إليه ،

وموقف المعرضين عنها والصادين عن سبيلها.

كان يسمع شكوى أصحابه وما يلقونه من أذى المشركين وكيدهم،

يتحسس آلامهم وآمالهم، ويطلب منهم الصبر والمصابرة،

ويبشرهم أن العاقبة للمتقين، وأن النصر مع المؤمنين ،

وأن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

لقد كانت رعاية الله وعنايته بالعصبة المؤمنة واضحة جلية لا تفارقهم بحال،

على الرغم مما كان ينالهم من أذى المشركين،

وكان من الحكمة البالغة في بداية أمر الدعوة الابتعاد بهذه العصبة المؤمنة

عن كل ما يضر بها - قدر المستطاع -،

وقد اقتضت حكمة الله سبحانه أن تبقى دعوة الإسلام

ضمن مجالها السري إلى أن هيأ الله لها من الأسباب

ما مكنها من إشهار أمرها وإعلان رسالتها،

{ والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون}
(يوسف:21).


cheers


Al_maroof
Al_maroof
نائب مدير
نائب مدير

اوسمتي منتدي عبير الاسلام
مساهماتي : 14235
نقاطي : 22524
تسجيلي : 30/10/2011
مزاجي مزاجي : محتسب وحامد لربي

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

ظ رد: ـ[ سيرة المصطفى من البعثة للهجرة ]ـ

مُساهمة من طرف Al_maroof الإثنين 10 يونيو 2013, 8:16 pm



... مرحلة الدعوة الجهرية ...


كانت الدعوة الإسلامية في بداية أمرها تنتهج السرية في تبليغ رسالتها،

لظروف استدعت تلك الحال، واستمر الأمر على ذلك ثلاث سنين،

ثم كان لابد لهذه الدعوة من أن تعلن أمرها

وتمضي في طريقها الذي جاءت من أجله،

مهما لاقت من الصعاب والعنت والصد والمواجهة.

فقد أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم -

وقد بعثه رسولاً للناس أجمعين- أن يصدع بالحق،

ولايخشى في الله لومة لائم فقال:

{ فَاصدع بِما تؤمر وأعرض عن المشركين }
(الحجر:94)

وأخبره أن يبدأ الجهر بدعوة أهله وعشيرته الأقربين،

فقال مخاطباً له

{ وأنذر عشِيرَتَك الأقربين }
(الشعراء:214)

فدعا بني هاشم ومن معهم من بني المطلب،

قال ابن عباس رضي الله عنهما:

لما نزل قوله تعالى:

{ وأنذر عشيرتك الأقربين }

صعد النبي صلى الله عليه وسلم على الصفا فجعل ينادي:

( يا بني فهر يا بني عديٍّ - لبطون قريش -

حتى اجتمعوا فجعل الذي لم يستطع

أن يخرج يرسل رسولاً لينظر ما هو الخبر ؟

فقال النبي صلى الله عليه وسلم :

لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصِّدقي؟

قالوا ما جربنَّا عليك كذباً،

قال فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد،

فقال له أبو لهب: تباً لك إلهذا جمعتنا )
متفق عليه .


فكانت هذه الصيحة العالية بلاغاً مبيناً،

وإنذاراً صريحاً بالهدف الذي جاء من أجله،

والغاية التي يحيا ويموت لها،

وقد بيَّن صلى الله عليه وسلم ووضََّح لأقرب الناس إليه

أن التصديق بهذه الرسالة هو الرابط الوحيد بينه وبينهم،

وأن عصبية القرابة التي ألِفوها ودافعوا عنها واستماتوا في سبيلها،

لاقيمة لها في ميزان الحق، وأن الحق أحق أن يتبع،

فها هو يقف مخاطباً قرابته -كما ثبت في الحديث المتفق عليه بقوله:

( يا عباس بن عبد المطلب يا عم رسول الله لا أغني عنك من الله شيئاً ،

يا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئاً،

يا فاطمة بنت رسول الله سليني ما شئت من مالي،

لا أغني عنك من الله شيئا ً) .

ولم يكن صلى الله عليه وسلم يبالي في سبيل دعوته بشئ،

بل يجهر بالحق ويصدع به لا يلوي على أعراض من أعرض،

ولا يلتفت إلى استهزاء من استهزأ،

بل كانت وجهته إلى الله رب العالمين

{ قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين}
(الأنعام:162)

وكانت وسيلته الجهر بكلمة الحق

{ قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة
أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين}
(يوسف:108).


وقد لاقى رسول الله صلى الله عليه وسلم

جراء موقفه هذا شدة وبأساً من المشركين،

الذين رأوا في دعوته خطراً يهدد ما هم عليه،

فتكالبوا ضده لصده عن دعوته،

وأعلنوا جهاراً الوقوف في مواجهته،

آملين الإجهاز على الحق الذي جاء به

{ والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون}
(يوسف21).


ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريقه

يدعو إلى الله متلطفاً في عرض رسالة الإسلام،

وكاشفاً النقاب عن مخازي الوثنية، ومسفهاً أحلام المشركين.

فوفق الله تعالى ثلة من قرابته صلى الله عليه وسلم

وقومه لقبول الحق والهدى الذي جاء به،

وأعرض أكثرهم عن ذلك، ونصبوا له العداوة والبغضاء،

فقريش قد بدأت من أول يوم في طريق المحاربة لله ولرسوله،

متعصبة لما ألِفته من دين الآباء والأجداد،

كما حكى الله تعالى عنهم على سبيل الذم والإنكار فقال:

{ إنا وجدنَا آباءَنا على أمة وإنا على آثَارهم مهتدون}
(الزخرف:22).


وخاتمة القول :

إن الجهر بالدعوة كان تنفيذاً لأمر الله تعالى،

وقياماً بالواجب، وقد صدع النبي صلى الله عليه وسلم بالحق كما أراد الله،

ولاقى مقابل هذا الإعلان ما قد علمنا

من عداوة المشركين له وللمؤمنين من حوله،

والتنكيل بهم، ولكن كان البيع الرابح مع الله تعالى،

والعاقبة كانت للنبي صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين به فملكوا الدنيا ودانت لهم،

وهدى الله بهم الناس إلى الصراط المستقيم،

وفي الدار الآخرة لهم الحسنى عند الله تعالى.


cheers

Al_maroof
Al_maroof
نائب مدير
نائب مدير

اوسمتي منتدي عبير الاسلام
مساهماتي : 14235
نقاطي : 22524
تسجيلي : 30/10/2011
مزاجي مزاجي : محتسب وحامد لربي

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

ظ رد: ـ[ سيرة المصطفى من البعثة للهجرة ]ـ

مُساهمة من طرف Al_maroof الإثنين 10 يونيو 2013, 8:32 pm



.... قريش تعقد اجتماعها في دار الندوة ....


لقد ترك تتابع هجرة الصحابة من مكة إلى المدينة ،

واجتماعهم بإخوانهم الأوس والخزرج

وانضوائهم تحت قيادة واحدة أثراً ملموساً على قريش ،

إذ شعرت أن أمنها وكيانها بدأ يهتز ويتزعزع ،

الأمر الذي استدعى منها أن تجتمع وتنظر فيما هي فاعلة

بشأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن تبقى من صحابته في مكة.

وعقد الاجتماع في دار الندوة ،

وهي دار قصي بن كلاب التي كانت قريش لا تقضي أمراً إلا فيها ،

وضم الاجتماع العديد من قبائل العرب ،

وكان من جملة من حضر ذلك الاجتماع إبليس

- أعاذنا الله من شره وكيده- الذي حضر على هيئة شيخ نجدي .

وبعد مناقشات ومشاورات نتج عن ذلك الاجتماع ثلاثة آراء :

الرأي الأول :
رأي إخراج الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة ،
ونفيه منها ، وعدم المبالاة به أينما ذهب،
ولكن الشيخ النجدي سرعان ما تدخل واعترض على ذلك
بحجة قدرته في التأثير على من يحلّ عليهم فيطيعوه ،
فيقوى شأنه ، ثم يعود إلى قريش .

وكان الرأي الثاني :
أن يُحبس الرسول صلى الله عليه وسلم ،
وتُغلق عليه الأبواب حتى يموت ، فينتهي خبره ،
فاعترض الشيخ النجدي مرة أخرى ،
محتجاً بأن أصحابه سيعرفون خبره ،
ويبلغهم أمره ، فيعملون على فك أسره .

أما الرأي الثالث وهو الذي تم الاتفاق عليه فكان :
أن يقتل الرسول صلى الله عليه وسلم ،
وكان صاحب هذا الرأي كبير مجرمي مكة أبو جهل بن هشام ،
الذي اقترح أن يُؤخذ من كل قبيلةٍ شابٌ قويٌ ذو نسب ،
ثم يعطى كل واحدٍ منهم سيفاً صارماً ،
فيعمدوا إليه جميعاً فيضربوه ضربة رجلٍ واحد ،
فيتفرق دمه بين القبائل ،
فلا يقدر بنو عبد مناف على حربهم جميعاً ،
وقد لاقى هذا الرأي ارتياحاً وقبولاً عند المجتمعين ،
وأيده الشيطان عليه من ربه ما يستحق .

وفض الاجتماع على العمل بهذا القرار الآثم الجائر الظالم

الذي يدل على ما وصل إليه القوم من حقد وحنق، وظلم وبغي ،

وكيف أن الكفر قد تغلغل في قلوبهم ،

وتمكن من عقولهم .

وقد أشار القرآن الكريم إلى ما دُبِّر في ذاك الاجتماع ،

قال تعالى :
{ وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك
ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين }
(الأنفال :30)،

إلا أن الله سبحانه وهو العاصم لرسوله من كل سوء

كما أخبر بقوله :

{ والله يعصمك من الناس }
(المائدة:67) ،

وقد أرسل جبريل عليه السلام

ليطلع رسول الله صلى الله عليه وسلم على حقيقة الأمر ،

ويأمره في الوقت نفسه بأخذ الأهبة والاستعداد للهجرة ،

وهو ما كان ينتظره صلى الله عليه وسلم .

وهكذا بدأت الاستعدادات لترتيب أمر الهجرة سراً ،

وتم الترتيب مع أبي بكر الصديق رضي الله عنه

بعد أن أخبره صلى الله عليه وسلم بأنه قد أُذن له في الخروج .


cheers


Al_maroof
Al_maroof
نائب مدير
نائب مدير

اوسمتي منتدي عبير الاسلام
مساهماتي : 14235
نقاطي : 22524
تسجيلي : 30/10/2011
مزاجي مزاجي : محتسب وحامد لربي

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

ظ رد: ـ[ سيرة المصطفى من البعثة للهجرة ]ـ

مُساهمة من طرف Al_maroof الإثنين 10 يونيو 2013, 8:46 pm



... مقاومة المشركين للدعوة الجديدة ...


نزل الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم

في نهار يوم الاثنين من شهر رمضان وعمره أربعون سنة ،

وذلك في غار حراء بجبل حراء بمكة المكرمة

ثم انقطع الوحي مدة طويلة وبعدها عاوده الوحي فنزلت

{ يا أيها المدثر *
قم فأنذر *
وربك فكبر *
وثيابك فطهر *
والرجز فاهجر }
( المدثر 5:1).


ثم فتر الوحي ثانية ليلتين أو ثلاثا حتى قال المشركون :

قد ودع محمد ربه فنزلت:

{ والضحى *
والليل إذا سجى *
ما ودعك ربك وما قلى }
( الضحى 3:1).



وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقي من نزول الوحي عليه شدة ،

فكان جبينه يتفصد عرقا ، وكان جسمه يثقل ،

وكان يتعجل في تلقي القرآن ويركز ذهنه بشدة خوف أن ينساه ،

لكن الله تعالى بين له أنه يتكفل له بحفظه تخفيفا عنه.

وقد علم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزول الوحي

بعد الفترة الأولى أنه مكلف بحمل رسالة إلهية ،

ويجب أن يقوم بتبليغها، فمضى يدعو أصدقائه وأهل بيته أولا ،

ثم وسع نطاق المدعوين ، وكانت الدعوة في هذه الفترة سرية ،

لئلا يفطن لها المشركون ،

ويشتدوا في رصدها والقضاء عليها.

وقد استغرقت مرحلة الدعوة السرية ثلاث سنوات

أسلم خلالها إضافة إلى خديجة أم المؤمنين عدد من أصدقائه وهم :

أبو بكر الصديق ، وعثمان بن عفان والزبير بن العوام وعلي بن أبي طالب

ـ ابن عمه ـ وزيد بن حارثة ـ مولاه ـ وسعد بن أبي وقاص

وعبد الرحمن بن عوف وخالد بن سعيد بن العاص

وآخرون من الأحرار والعبيد مثل عمار بن ياسر وبلال الحبشي وصهيب الرومي ،

وكان عدد المسلمين يزاد مع الأيام ،

ولم يلقوا أذى من قريش في هذه المرحلة لأنها سرية ،

ولأن قريش لم تتبين بعد خطورة الدعوة الإسلامية على عقائدها ومصالحها .

لكن الدعوة تحولت إلى العلانية فبدأت مواقف قريش تسفر عن العداوة والمقاومة.

وقد أمر الله تعالى رسوله بإعلان الدعوة وإنذار عشيرته فقال تعالى:

{ وأنذر عشيرتك الأقربين }
( الشعراء 214)

فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صعد الصفا فهتف:

( يا صباحاه فاجتمعت إليه قريش ، فقال :

" لو أخبرتكم أن خيلا تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم مصدقي ؟

" قالوا : ما جربنا عليك كذبا قال :

" فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد "

فقال عمه أبو لهب :

تبا لك ، أما جمعتنا إلا لهذا ! ؟

ثم قام ،

فنزلت سورة المسد ترد عليه

تبت يدا أبي لهب وتب )
رواه البخاري .


وجاهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتسفيه عقائد المشركين

وتوضيح عقيدة التوحيد ،

وتجهمت له قريش وبدأت بدعاية كاذبة ضده

فمرة تتهمه بالجنون وآخرى بالسحر وثالثة بأنه شاعر .

وأخذ المشركون يسبون مذمماً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

( ألا تعجبون كيف يصرف الله عني شتم قريش ولعنهم ،
يشتمون مذمما ويلعنون مذمما وأنا محمد )
رواه البخاري .

وقد قام سفهاء قريش برمي فرث الجزور ودمها عليه وهو ساجد يصلي،

وهم يتضاحكون، فعلمت فاطمة فجاءت تنفض عنه ذلك،

ودعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبب تكذيبهم إياه واستعصائهم على الإيمان،

وليس بسبب إيذائهم له، فطالما احتمل آذاهم ودعا لهم بالهداية.

وكان المشركون يسبون القرآن إذا سمعوا الرسول صلى الله عليه وسلم

يجهر به وكان يحرص على الصلاة في المسجد الحرام

ليظهر شعائر الإسلام واحترام الكعبة وتعريف الناس بدينه،

وقد أمره الله تعالى بعدم رفع الصوت بالقرآن تجنبا لسب المشركين .

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي مرة بفناء الكعبة،

إذا أقبل عقبة بن أبي معيط ،

فأخذ بمنكب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولوى ثوبه في عنقه،

فخنقه خنقاً شديداً ،

فأقبل أبو بكر فأخذ بمنكبه ودفعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

" أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم "
رواه البخاري .


وقد ختم المشركون أذاهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم

بمحاولة قتله في أواخر المرحلة المكية مما كان سبباً مباشراً للهجرة إلى المدينة .

هذا عن أذى المشركين للرسول الله صلى الله عليه وسلم .

وأما أذاهم لأتباعه المؤمنين ،

فقد انصبت على المستضعفين منهم أنواع العذاب ،

حيث " ألبسوهم أدراع الحديد ،

و صهروهم في الشمس "

وكان بلال يصمد لأذاهم حتى طاف به الولدان في شعاب مكة وهو يقول :

أحد أحد ... وممن عذب في الله :

عامر بن فهيرة وبلال ونذيرة وأم عبيس والنهدية وأختها ،

وجارية بني عمرو بن مؤمل.

وقد اشترى أبو بكر رضي الله عنه الرقيق المؤمنين من قريش

وأعتقهم ليمنع عنهم العذاب ، فقال له أبوه قحافة:

لو أنك أعتقت رجالا جلدين يمنعونك ؟

فبين له أنه إنما يريد الله لا المنعة
رواه الحاكم في المستدرك.

وقد وردت روايات كثيرة في ألوان العذاب التي لقيها عمار بن ياسر وأهله ،

وممن ناله الأذى في سبيل الله خباب بن الأرت

حتى سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم

أن يدعو الله يخفف عن المستضعفين .

وقد أمر الرسول الله صلى الله عليه وسلم بالصبر والاحتساب ،

وضبط النفس ، وعدم مقارعة القوة بالقوة،

والعدوان بالعدوان ، حرصا على حياتهم ،

ونظرا لمستقبل الدعوة لئلا يئدها الشر وهي لا تزال غضة طرية ،

ولعل المشركين كانوا يحرصون على مواجهة حاسمة مع الدعوة تنهي أمرها ،

ولكن الحكمة الإسلامية فوتت عليهم ذلك الهدف .

وكان الرسول الله صلى الله عليه وسلم يربي أصحابه على عينه ،

ويوجههم نحو توثيق الصلة بالله والتقرب إليه بالعبادة ،

فكانوا يقومون شطر الليل للصلاة قريبا من سنة

ورمت أقدامهم وضعفت أجسادهم ،

فخفف الله عنهم بعد أن علم اجتهادهم في طلب مرضاته ،

وبعد أن نجحوا في امتحانهم بهجر الفرش والنوم لتربيتهم على المجاهدة ،

وقد ظهر أثر هذا الإعداد الدقيق للمسلمين الأوائل

في قدرتهم على تحمل أعباء الجهاد وإنشاء الدولة الإسلامية في المدينة .

وقد حاولت قريش أن تقنع أبا طالب

عم الرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ليكفه عن الدعوة ،

و لكن الرسول صلى الله عليه وسلم أوضح لهم اعتزامه المضي في الدعوة ،

وإنه لا يمتلك حق التوقف عن التبليغ لأن الله أمره به ،

فانصرفوا خائبين.

وكان المسلمون في العهد المكي يتعرضون لضغوط كثيرة من قبل المشركين ،

بعضها نفسي كالسخرية والتكذيب والسب ،

وبعضها بدني كالضرب والتعريض للشمس المتوهجة

في رمال الصحراء الملتهبة ،

وبعضها اقتصادي كالامتناع عن مخالطتهم وتنفير الناس منهم .

وكان القرآن ينزل لتثبيت النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ،

بتعميق المعاني الإيمانية ، وغرس الصبر في نفوسهم ،

وتربيتهم على الأخلاق الفاضلة ،

وانتزاع شوائب الجاهلية وبقاياها من سلوكهم وعاداتهم ،

وأمرهم بالاستعانة بالصلاة وتوثيق الصلة بالله تعالى

ليزاد إيمانهم ويقووا على مواجهة أعدائهم .

ولما هاجروا إلى الحبشة وبعدوا عن أوطانهم وعدهم الله تعالى المثوبة .

وقد وعد الله المؤمنين الصابرين بالنصر في الدنيا والأجر في والآخرة .

ووضح القرآن أهمية الالتزام بالحكمة وحسن المخاطبة ،

والعدل في معاملة الآخرين .

وتدل الصفات التي وصف الله تعالى بها المسلمين في السور المكية

على سموهم الخلقي وإيمانهم العميق .

وخلاصة الأمر: فإن الحرب على دعوة الإسلام قائمة ومستمرة،

ولكن الله ناصر دينه وأوليائه، ومنتقم من أعدائه،

فله الحكمة البالغة وهو علي كل شئ قدير.


cheers


Al_maroof
Al_maroof
نائب مدير
نائب مدير

اوسمتي منتدي عبير الاسلام
مساهماتي : 14235
نقاطي : 22524
تسجيلي : 30/10/2011
مزاجي مزاجي : محتسب وحامد لربي

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

ظ رد: ـ[ سيرة المصطفى من البعثة للهجرة ]ـ

مُساهمة من طرف Al_maroof الأربعاء 12 يونيو 2013, 2:05 am



... أساليب المشركين في مواجهة الدعوة دروس وعبر ...


أجمع المشركون على محاربة الدعوة التي كشفت واقعهم الجاهلي،

وعابت آلهتهم ومعتقداتهم،

فاتخذوا العديد من الوسائل والمحاولات لإيقافها والقضاء عليها،

أو تحجيمها وتقليل مجال انتشارها، ومع كثرة هذه الوسائل وتنوعها،

إلا أن جميعها باءت بالفشل، لأن صوت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ

كان أقوى من أصواتهم، ووسائله في التبليغ كانت أبلغ من وسائلهم،

وثباته على دينه ودعوته، كان أعلى بكثير مما كان يتوقعه أعداؤه،

فالرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يجلس في بيته،

ليحمى نفسه من المشركين،

بل كان يدعو أهل مكة للإسلام مع شدة ما يلاقيه منهم،

ويخرج للوفود القادمة إلى مكة يدعوها إلى الله،

ولذلك تعددت وتنوعت أساليب المشركين في مواجهة

رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ودعوته ،

ومن هذه الأساليب :

السخرية والاستهزاء والتكذيب :

وقصدوا بذلك تشكيك المسلمين،
وإضعاف قواهم المعنوية، فرموا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بتهم كثيرة،
فكانوا ينادونه بالمجنون، ويصفونه بالسحر والكذب،
ويتعرضون له ولأصحابه بالسخرية والاستهزاء،
قال تعالى:
{ وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ }
(الحجر:6)،

وقال:
{ وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ }
(ص:4) ..


ولم تقتصر وسائل المشركين على السخرية والتكذيب والاستهزاء،
بل تعدت ذلك إلى الإيذاء البدني للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه،
فأهل الباطل لا يستسلمون أمام الحق بسهولة،
فكلما أخفقت لهم وسيلة من وسائل محاربة الحق،
ومحاولة القضاء عليه، انتقلوا إلى وسائل أخرى،
وهكذا يستمر الصراع، حتى يتحقق وعد الله،
وينتصر رسل الله والمؤمنون،

قال تعالى:
{ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ }
(غافر:51) ..

وقال تعالى:
{ وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ }
(الروم: من الآية47).

لم تفلح هذه الوسيلة، فانتقلوا إلى وسيلة أخرى،

ـ بلغة العصر أكثر دبلوماسية ـ وهي المساومة،

فعرضوا على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عروضا لعله يرجع عما هو فيه،

أو يتنازل عن بعض الحق الذي يدعوا إليه،

فعرضوا عليه المال والشرف والملك ..

وهذه الفترة من سيرته ـ صلى الله عليه وسلم ـ

تحتاج إلى وقفة تأمل وتدبر،

لنستلهم منها بعض الدروس والعبر وهي كثيرة، منها :

صبر النبي صلى الله عليه وسلم :

لقد واجه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الأذى والمحن الكثير في مواقف متعددة،

وكان ذلك على قدر الرسالة التي حملها،

ولذلك استحق المقام المحمود، والمنزلة الرفيعة عند ربه،

وقد صبر على ما أصابه،

إشفاقًا على قومه أن يصيبهم مثل ما أصاب الأمم الماضية من العذاب،

وليكون قدوة للدعاة في كل زمان ومكان،

فإذا كان الإيذاء قد نال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ،

فلم يعد هناك أحد لكرامته أو علو منزلته أكبر من الابتلاء والمحن،

وتلك سنة الله مع الأنبياء والمؤمنين ..

عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه ـ قال:
( قلت: يا رسول الله أي الناس أشد بلاء؟ قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يُبتلى الرجل على حسب دينه،
فإن كان في دينه صلبًا اشتد بلاؤه،
وإن كان في دينه رقة ابتلي حسب دينه،
فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة )
( ابن ماجه ) ..


فلا ينبغي للمسلم أن يضعف إذا ما عانى شيئا من المشقة والابتلاء،

في طريق سيره ودعوته إلى الله،

فقد سبقه في ذلك رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ،

وليعلم أنه كلما اشتد الظلام أوْشك طلوع الفجر،

وكلما ازدادت المحن والابتلاءات، قرب مجيء النصر،

قال الله تعالى :
{ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ
مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا
حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ
مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ }
(البقرة:214).


والمسلم حينما يتعلم من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ

الصبر على أساليب المشركين في محاربة الإسلام ودعوته،

فإنه يتعلم كذلك :

الثبات أمام الإغراءات والمساومات :

حينما عرض المشركون عليه ـ صلى الله عليه وسلم ـ المال والشرف والملك،
لعله يرجع عن الدين الذي جاء به،
أو يتنازل عن بعض الحق الذي يدعو إليه،
ثبت ـ صلى الله عليه وسلم ـ كأنه جبل أشم،
أمام هذه الإغراءات والمساومات، ولم يناقشها،
بل قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ في وضوح وحسم وثبات ـ
كما ذكر ابن هشام في سيرته ـ :

( ما جئت بما جئتكم به أطلب أموالكم،
ولا الشرف فيكم، ولا الملك عليكم،
ولكن الله بعثني إليكم رسولا وأنزل علي كتابا،
وأمرني أن أكون لكم بشيرا ونذيرا،
فبلغتكم رسالة ربي، ونصحت لكم،
فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة،
وإن تردوه علي أصبر لأمر الله،
حتى يحكم الله بيني وبينكم )..

إن موقف النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الراسخ من هذه المساومات،

وعدم قبولها أو مجرد مناقشتها، كان درسا تربويا للصحابة،

تعلموا منه الثبات على العقيدة، والتمسك بالمبادئ،

وعدم التفكير في المغريات التي تعرض عليهم لصرفهم عن دينهم ودعوتهم ..

ومن ثم لم تفلح وسائل المشركين في إضعافهم،

فإن أحدا منهم لم يرتد عن الدين الذي شرفه الله به،

بل ازدادوا ثباتا وتمسكا وعزة، لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ

رباهم على التمسك بدينهم، والصبر على الإيذاء،

والتفاؤل وعدم تعجل النتائج، .

التفاؤل وعدم اليأس والعجلة :

ظهر ذلك واضحا في قصة خباب بن الأرت ـ رضي الله عنه ـ،

عندما جاء إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ

وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة،

فقال له: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو الله لنا ؟،

فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ :

( كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض،
فيجعل فيها، ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين،
ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه ما يصده ذلك عن دينه،
والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت،
فلا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون )
( البخاري ) ..


لقد كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يشعر بما يعانيه أصحابه من أذى وبلاء،

ويتألم له، لكنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يربي أصحابه على الصبر والثبات،

والتفاؤل وعدم اليأس، والتأسي في ذلك بالأنبياء والمرسلين،

والتعلق بما أعده الله للمؤمنين الصابرين في الجنة،

والتطلع للمستقبل الذي ينصر الله فيه الإسلام،

وهذا من الدروس الهامة في التربية،

وفي مواجهة أساليب المشركين في الصد عن سبيل الله،

ومحاربة الدعوة إلى الله، حتى تكون القلوب متفائلة ولا يتسرب اليأس إليها ،

فاليأس قاتل للرجال وهازم للأبطال ..

ولذلك كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يبث التفاؤل والثقة في قلوب أصحابه،

ويفيض عليهم مما أفاض الله عليه من أمل مشرق في انتصار الإسلام وانتشاره،

وكان القرآن الكريم ينزل يؤكد هذا المعنى، كما قال تعالى:

{ وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ.
إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ.وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ }
(الصافات173:171)،

وقال:
{ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ }
(غافر:51) ..


وفي أحاديث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ

كثير من هذه المبشرات التي كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ

يزفها لأصحابه بين آونة وأخرى، يؤكد لهم ولنا من بعدهم،

أن المستقبل للإسلام، ويشحذ همم المسلمين،

ويقتلع القنوط من قلوب القانطين،

فمن ذلك قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ:

( ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار،
ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين،
بعز عزيز، أو بذل ذليل، عزا يعز الله به الإسلام،
وذلا يذل الله به الكفر )
( أحمد ).

وسُئِل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
( أي المدينتين تفتح أولا،
أقسطنطينية أو رومية؟،
فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
مدينة هرقل تفتح أولا )
( أحمد ) يعني القسطنطينية ..

قال الشيخ الألباني :
رومية هي روما الحالية عاصمة إيطاليا اليوم،
وقد تحقق الفتح الأول على يد محمد الفاتح
بعد ثمانمائة سنة من إخبار النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ،
وسيتحقق الفتح الثاني بإذن الله تعالى ولابد ...

إن الصراع بين الإسلام والكفر، والحق والباطل،
قصته واحدة، وإن اختلفت صوره وأساليبه على حسب الزمان والمكان،
لكن العاقبة للمتقين، فما أحوج أمتنا في ظل هذا الواقع الذي تعيشه،
أن تقف مع سيرة نبيها ـ صلى الله عليه وسلم ـ،
لتعيش دروسها ومعانيها واقعا عمليا في حياتها..
نسأل الله تعالى أن يعيد للأمة عزها ومجدها ..


cheers


Al_maroof
Al_maroof
نائب مدير
نائب مدير

اوسمتي منتدي عبير الاسلام
مساهماتي : 14235
نقاطي : 22524
تسجيلي : 30/10/2011
مزاجي مزاجي : محتسب وحامد لربي

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

ظ رد: ـ[ سيرة المصطفى من البعثة للهجرة ]ـ

مُساهمة من طرف Al_maroof الأربعاء 12 يونيو 2013, 2:15 am



... أساليب المشركين في مواجهة الدعوة الإسلامية ...



منذ أن جهر النبي - صلى الله عليه وسلم - بدعوته،

وصارح قومه بضلال ما ورثوه عن آبائهم وأجدادهم ،

انفجرت مكة بمشاعر الغضب ،

وظلت عشرة أعوام تعتبر المسلمين عصاةً متمردين على دين الآباء والأجداد ،

ورأت قريش أنَّه لابد من مواجهة هذه الدعوة التي جاءت بتسفيه أحلامهم

وسب آلهتهم والقضاء على زعامتهم ،

فقرروا أن لا يألوا جهداً في محاربة الإسلام وإيذاء الداخلين فيه ،

والحد من انتشاره ، فاتخذوا لذلك أساليب شتى وطرقاً متعددة منها :

السخرية والاستهزاء والنيل من الرسول - صلى الله عليه وسلم- ورسالته ،

ورميه بشتى التهم والأوصاف ، بغرض صد الناس عنه ،

وتخذيل المؤمنين به ، وتوهين قواهم ، فتارة يتهمونه بالجنون

{وقالوا يا أَيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون }
(الحجر:6) ،

وتارة يصمونه بالسحر والكذب

{ وعجبوا أن جاءهُم منذر منهم وقال الكَافرون هذَا ساحِر كَذاب }
(ص:4) ،

وتارة ينسبونه إلى الشعر والكهانة ،

وتارة يسخرون من جلسائه وأصحابه من المستضعفين ،

ويجعلونهم مثاراً للضحك والهمز والغمز ويقولون :

{أهؤلاء منَّ الله عليهم من بيننا }
(الأنعام 53) .


ومن الأساليب كذلك الحرب الإعلامية المتمثلة في تشويه تعاليم الإسلام ،

وإثارة الشكوك والشبهات حوله ،

حتى لا يبقى هناك مجال للآخرين للتفكير في الدعوة ،

فضلاً عن قبولها ، فقالوا عن القرآن :

{ إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون }
(الفرقان 4 ) ،

{ وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرَة وأصيلا }
(الفرقان:5) ،

وقالوا
{ إنما يعلمه بشر }
( النحل 103) .


وأثاروا الشبه حول قضية الإيمان والبعث بعد الموت فكانوا يقولون :

{أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون *
أوآباؤنا الأولون }
(الصافات 16-17) ،

وكانوا يقولون : على جهة السخرية والاستبعاد :

{هل ندلكم على رجل ينبئكم
إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد }
( سبأ 7) .


وأثاروا الشبه أيضاً حول رسالة النبي - صلى الله عليه وسلم-

حيث ادعوا أن منصب النبوة والرسالة أجل وأعظم من أن يعطى لبشر

{وقالوا مال هذَا الرسول يأكل الطعَام ويمشي في الأسواق }
( الفرقان 7) ،

و{قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء }
( الأنعام 91) ،

إلى آخر تلك الشبه والشكوك التي ذكرها القرآن

ورد عليها رداً مفحماً يقنع كل عاقل ، ويلجم كل جاحد .

ومن الأساليب التي اتخذوها في محاربة الدعوة الحيلولة بين الناس وبين سماع القرآن ،

ومعارضته بأساطير الأولين ، فوقفوا للناس بكل طريق يلاحقونهم ،

ويثيرون الشغب والصخب كلما أراد النبي - صلى الله عليه وسلم-

تلاوة القرآن وإسماع الناس كلام الله

{وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون }
(فصلت 26) .


وقد ذكر أهل السير أن النضر بن الحارث قال مرة لقريش :

يا معشر قريش والله لقد نزل بكم أمر عظيم ما أوتيتم له بحيلة بعد ،

قد كان محمد فيكم غلاماً حدثاً أرضاكم فيكم ،

وأصدقكم حديثاً ، وأعظمكم أمانة ، حتى إذا رأيتم في صدغيه الشيب ،

وجاءكم بما جاءكم به قلتم : ساحر ، لا والله ما هو بساحر ...

ثم عدد لهم ما يقولونه عنه وردَّ عليهم فقال :

ولا هو بمجنون ولا بشاعر .

ثم ذهب إلى الحيرة وتعلم بها أحاديث ملوك الفرس وغيرهم ،

فكان كلَّما جلس الرسول صلى الله عليه وسلم مجلساً للتذكير بالله ،

جاء بعده النضر وقال لهم : والله ما محمد بأحسن حديثاً مني ،

ثم أخذ يحدثهم عن ملوك فارس وخرافات رستم و أسفندبار ،

ويقول بماذا محمد أحسن حديثاً مني ؟ .

ومن الأساليب كذلك أسلوب المجادلة ،

ومحاولة التعجيز بالأسئلة وطلب الآيات ،

فبعد أن أقام الرسول - صلى الله عليه وسلم - الحجج والبراهين على صحة دعوته ،

وصدق نبوته ، احتار المشركون في أمره ،

وأبوا تصديقه كفرًا و عنادًا ،

ولم يجدوا أمام هذه الأدلة والبراهين

- التي لا يستطيعون دفعها -

إلا أن يطالبوه بعدد من المطالب التي لم يكن الغرض منها

التأكد من صدقه عليه الصلاة والسلام ،

وإنما مجرد التعنت والتعجيز :

{وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا *
أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيراً *
أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا *
أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء
ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه }
( الإسراء 90- 93) .


وقد اقتضت الحكمة الإلهية ألا يجابوا إلى ما سألوا ،

لأن سنته سبحانه أنه إذا طلب قوم الآيات فأجيبوا ،

ثم لم يؤمنوا بعدها عذَّبهم الله عذاب الاستئصال ،

كما فعل بعاد وثمود وقوم فرعون وغيرهم من الأمم ،

فروى الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما أن قريشا قالت للنبي

- صلى الله عليه وسلم- :

ادعُ لنا ربك أن يجعل لنا الصفا ذهبًا ونؤمن بك ،

قال: وتفعلون؟ قالوا: نعم ،

قال فدعاه : فأتاه جبريل فقال: إن ربك عز وجل يقرأ عليك السلام ويقول :

إن شئت أصبح لهم الصفا ذهبًا ،

فمن كفر بعد ذلك منهم عذبته عذابًا لا أعذبه أحدًا من العالمين ،

وإن شئت فتحت لهم أبواب التوبة والرحمة ،

فقال : بل باب التوبة والرحمة ، فأنزل الله تعالى :

{وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون
وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها
وما نرسل بالآيات إلا تخويفا }
( الإسراء 59) .


وقال جل وعلا:

{وقالوا لولا أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر ثم لا ينظرون }
(الأنعام Cool

يعني لو استجاب الله لطلبهم بإنزال ملك ،

فسيكون الأمر منتهياً فلو كذبوا بعد تلك الآية التي طلبوها فلن يمهلوا أو يؤخروا .

مع أن الله جل وعلا يعلم أنهم لو أجيبوا وعاينوا ما طلبوا لما آمنوا ،

وللجُّوا في طغيانهم يعمهون ، كما قال جل وعلا :

{وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها
قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون *
ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون *
ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا
ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ولكن أكثرهم يجهلون }
(الأنعام 109-111).




ومن جملة محاولات التعجيز التي قاموا بها اتصالهم بأهل الكتاب من اليهود

لمعرفة بعض الأسئلة والتفاصيل التي تفيدهم في تحقيق هذا الغرض ،

وإظهار النبي صلى الله عليه وسلم بمظهر العاجز عن الجواب ،

ولعل في سبب نزول سورة الكهف ، وقول الله تعالى

{ويسألونك عن الروح ... }

ما يبين ذلك بوضوح .

ومن الأساليب كذلك أسلوب المفاوضات والمساومات ،

فكانوا يرسلون الوفد تلو الوفد ليعرض على النبي - صلى الله عليه وسلم-

عدداً من العروض المغرية طمعاً في أن يلين أو يتنازل ،

فأرسلوا إليه عتبة بن ربيعة وقال له :

" إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالاً

جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا ،

وإن كنت تريد به شرفا سودناك علينا حتى لا نقطع أمرا دونك ،

وان كنت تريد به ملكاً ملكناك علينا ،

وإن كان إنما بك - الباه - فاختر أي نساء قريش شئت فلنزوجك عشراً ،

وان كان هذا الذي يأتيك رئيا تراه لا تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الطب ،

وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه ،

فانه ربما غلب التابع على الرجل حتى يتداوى منه " .

فلا تزيده تلك العروض إلا ثباتاً على مبدئه ،

ويقيناً بدعوته ، دون مراوغة أو مداهنة قائلاً لهم :

( ما بي ما تقولون ما جئتكم بما جئتكم به أطلب أموالكم ،
ولا الشرف فيكم، ولا الملك عليكم ،
ولكن الله بعثني إليكم رسولاً ،
وأنزل عليّ كتاباً وأمرني أن أكون لكم بشيراً ونذيراً ،
فبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ،
فإن تقبلوا مني ماجئتكم به فهو حظكم من الدنيا والآخرة ،
وإن تردوا عليّ اصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم ) .

وعندما رأى المشركون صلابة موقفه واستعلاءه

على كل المطامع الدنيوية والحظوظ العاجلة ،

سلكوا طريقاً آخر يدل على طيش أحلامهم ، وسفه عقولهم ،

وهو محاولة أن يلتقي الإسلام والجاهلية في منتصف الطريق ،

وذلك بأن يترك الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعض ما هو عليه من الحق ،

ويترك المشركون بعض ما هم عليه من الباطل ، فقالوا :

يا محمد هلمَّ فلنعبد ما تعبد ،

وتعبد ما نعبد فنشترك نحن وأنت في الأمر ،

فإن كان الذي تعبده خيراً مما نعبد كنَّا قد أخذنا بحظنا منه ،

وإن كان ما نعبد خيراً مما تعبد أنت ، كنت قد أخذت بحظك منه ،

فأنزل الله تعالى فيهم سورة كاملة وهي سورة " الكافرون "

والتي بينت بوضوح أن طريق الحق واحد لاعوج فيه ،

وليس هناك مكان لأنصاف الحلول أو المداهنة والتنازل ،

فالقضية ليست قضية شخصية ، وإنما هي دعوة ربانية ،

وشرعة إلهية لا تقبل المساومة مهما كانت الأسباب والدوافع والمبررات .

ولما لم تفلح كل تلك الوسائل والسبل للصد عن سبيل الله ،

وتشويه معالم الدعوة ، سلكت قريش سبيلاً آخر يدل على فشلها وإحباطها ،

فعادت لتصب جام غضبها على المؤمنين ،

وتبذل آخر ما في وسعها للتنكيل بهم ، ومحاولة فتنهم عن دينهم ،

ولكن الله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .



cheers


Al_maroof
Al_maroof
نائب مدير
نائب مدير

اوسمتي منتدي عبير الاسلام
مساهماتي : 14235
نقاطي : 22524
تسجيلي : 30/10/2011
مزاجي مزاجي : محتسب وحامد لربي

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

ظ رد: ـ[ سيرة المصطفى من البعثة للهجرة ]ـ

مُساهمة من طرف Al_maroof الأربعاء 12 يونيو 2013, 5:20 pm




 ...  اضطهاد كفار قريش للمؤمنين ...


  
واجه المشركون دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - بأساليب مختلفة ،

ووسائل متنوعة للصد عن سبيل الله ، وتشويه معالم الدين ، وقد باءت تلك الوسائل والأساليب بالفشل الذريع ،

فلجؤوا إلى أسلوب أخير أشد خسة وأعظم ضرواة ، وهو يدل على مدى فشلهم وإحباطهم ،

فكشروا عن أنياب الحقد والغيظ ، وتفننوا في أذيتهم المؤمنين وتعذيبهم ،

وفتنتهم عن دينهم.

فأما الرسول - صلى الله عليه وسلم- فمع ما حباه الله جل وعلا من هيبة النبوة ووقار الرسالة ،

وقوة الشخصية ، فقد كان في منعة عمه أبي طالب صاحب المكانة الرفيعة بين قومه ،

وكان من الصعب أن يتجاسروا على إخفار ذمته ،

ولكنهم لما فشلوا في المفاوضات مع أبي طالب ولم يفلحوا في ثنيه عن سب الآلهة ،

وتسفيه الأحلام ، والدعوة إلى نبذ دين الآباء والأجداد ،

لم تجد قريش أمامها إلا سبيلاً واحداً لطالما حاولت تجنبه والابتعاد عنه مخافة مغبته وما يؤول إليه ،

وهو سبيل الاعتداء على ذات الرسول - صلى الله عليه وسلم- ،

فانطلقت الألسن المجرمة بالسخرية والشتم ،

وامتدت الأيدي الآثمة بالأذى ،

ولقي النبي - صلى الله عليه وسلم- من سفهاء قريش ما لقي .

وكان عمه أبولهب في مقدمة هؤلاء الأشقياء الذي مارسوا هذا الدور القذر ،

فقد كان أحد رؤوس بني هاشم ، ولم يكن يخشى ما يخشاه الآخرون ،

وقد ظهرت عداوته للإسلام وأهله منذ اليوم الأول ،

فبلغ من أمره أنه كان يتبع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في الأسواق والمجامع ،

ومواسم الحج يكذبه ويرميه بالحجارة حتى يدمى عقبيه ،

وكان أبو لهب قد زوج ولديه عتبة وعتيبة ببنتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم-

رقية وأم كلثوم قبل البعثة فلما كانت البعثة أمرهما بتطليقهما ،

ولما مات عبد الله الابن الثاني لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -

استبشر أبو لهب وذهب إلى المشركين يبشرهم بأن محمدًا صار أبتر .

وكانت امرأته أم جميل امرأة سليطة بذئية اللسان ، تبسط في رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لسانها ،

وتؤجج نار الفتنة ، وتثير عليه حربًا شعواء للإفساد بينه وبين الناس ،

وتضع الشوك في طريقه والقذر على بابه .

ومن صور الأذى التي تعرض لها النبي - صلى الله عليه وسلم-

ما ثبت عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال :

بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قائم يصلي عند الكعبة ،

وجمع من قريش في مجالسهم ، إذ قال قائل منهم : ألا تنظرون إلى هذا المرائي؟

أيكم يقوم إلى جزور آل فلان ، فيعمد إلى فرثها ودمها وسلاها ، فيجيء به ،

ثم يمهله ، حتى إذا سجد وضعه بين كتفيه ؟

فانبعث أشقاهم – وهو عقبة بن أبي معيط - فلما سجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وضعه بين كتفيه ،

وثبت النبي - صلى الله عليه وسلم- ساجدًا ، فضحكوا حتى مال بعضهم إلى بعض من الضحك ،

فانطلق منطلق إلى فاطمة - وهي جويرية -، فأقبلت تسعى ، والنبي - صلى الله عليه وسلم- ساجدٌ ،

حتى ألقته عنه ، وأقبلت عليهم تسبهم ، فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- صلاته ،

قال :
( اللهم عليك بقريش ، اللهم عليك بقريش ، اللهم عليك بقريش ، ثم سمى :

اللهم عليك بعمرو بن هشام ، وعتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ،
والوليد بن عتبة ، وأمية بن خلف ، وعقبة بن أبي معيط ، وعمارة بن الوليد ) ،

يقول ابن مسعود : " فوالله لقد رأيتهم صرعى يوم بدر ،

ثم سحبوا إلى القليب ، قليب بدر " رواه البخاري .

ومن ذلك أن أشراف قريش اجتمعوا يوما في الحجر ، فذكروا رسول الله - صلى الله عليه وسلم – فقالوا :

ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من أمر هذا الرجل قط ،

سفه أحلامنا وسب آلهتنا ، لقد صبرنا منه على أمر عظيم ،

فبينما هم كذلك إذ طلع عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوثبوا وثبة رجل واحد ،

وأحاطوا به يقولون : أنت الذي تقول كذا وكذا ، فيقول:

( نعم ، أنا الذي أقول ذلك ) ،

ثم أخذ رجل منهم بمجمع ردائه، فقام أبو بكر رضي الله عنه دونه وهو يبكي ويقول :

" أتقتلون رجلا أن يقول: ربي الله " ،

وفي رواية البخاري عن عروة بن الزبير قال ‏:‏ سألت عبد الله بن عمرو :

أخبرني بأشد شيء صنعه المشركون بالنبي - صلى الله عليه وسلم- ،

قال ‏:‏ بينا النبي - صلى الله عليه وسلم- يصلي في حجر الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط ،

فوضع ثوبه في عنقه ، فخنقه خنقًا شديدًا ،

فأقبل أبو بكر حتى أخذ بمنكبيه ، ودفعه عن النبي - صلى الله عليه وسلم- ،

وقال‏:‏ أتقتلون رجلًا أن يقول ربي الله ‏؟‏‏.‏

ولو ذهبنا نتتبع المواقف التي أساءت فيها قريش للنبي - صلى الله عليه وسلم- بالقول والفعل لطال الأمر ،

حتى بلغ بهم الحال أن حاولوا قتله كما فعلوا في أواخر المرحلة المكية ،

وقد ازداد إيذاؤهم له وتجرؤهم عليه بعد وفاة عمه أبي طالب ،

الذي كان يحوطه ويحميه ، فلما مات أقدمت قريش على ما لم تكن تقدم عليه من قبل ،

وكان عليه الصلاة والسلام يذكر ما لاقاه من أذى قريش قبل أن ينال الأذى أحدًا من أتباعه فيقول :

( لقد أخفت في الله عز وجل وما يخاف أحد ، ولقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد )
رواه الترمذي وغيره .

أما العصبة المؤمنة فقد تحملوا من صنوف العذاب وألوان البلاء ما تنوء بحمله الجبال ،

وتتفطر لسماعه القلوب ، وتقشعر منه الجلود ،

فأما ذووا المكانة والشرف فكانوا في عز ومنعة من قومهم ومع ذلك لم يسلم كثير منهم من الأذى والابتلاء

كما هو الحال مع أبي بكر رضي الله عنه حيث  حُثي على رأسه التراب ،

وضرب في المسجد الحرام بالنعال حتى ما يعرف وجهه من أنفه ،

وحُمل إلى بيته في ثوبه وهو ما بين الحياة والموت ،

وكما فعل بعثمان بن عفان رضي الله عنه فكان عمه يلفه في حصير من ورق النخيل ثم يدخنه من تحته ،

وكما فعلت أم مصعب بن عمير حين علمت بإسلامه حتى منعته الطعام والشراب وأخرجته من بيته ،

وكان من أنعم الناس عيشًا ، فتقشر جلده تقشر الحية .

وأما المستضعفون من المسلمين لا سيما - العبيد والإماء- ،

فلم يكن هناك من يغضب لهم ويحميهم ، بل كان السادة والرؤساء أنفسهم هم من يقومون بتعذيبهم ،

وإغراء الأوباش والسفهاء بهم ، حتى ألبسوهم أدراع الحديد ، وصهروهم في الشمس ،

وجعلوا الصبيان يطوفون بهم في شعاب مكة ونواحيها .

فكان صهيب بن سنان رضي الله عنه يُعذَّب حتى يفقد وعيه ولا يدرى ما يقول ،

وكان أمية بن خلف يضع الحبل في عنق بلال رضي الله عنه ،

ثم يسلمه إلى الصبيان يطوفون به في جبال مكة ويجرونه حتى يؤثر الحبل في عنقه ،

وكان يخرجه في حر الظهيرة فيطرحه على ظهره في الرمضاء في بطحاء مكة ،

ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره ،

ثم يقول ‏:‏ لا والله لا تـزال هكـذا حتى تموت أو تكفر بمحمد وتعبد اللات والعزى ،

فيقول وهو في ذلك ‏:‏ أحد أحد ، ويقـول ‏:‏

لو أعلم كلمة هي أغيظ لكم منها لقلتها .

وعذب عمار بن ياسر رضي الله عنه بالحر تارة ،

وبوضع الصخر الأحمر على صدره أخرى ، وبغطه في الماء حتى يفقد وعيه  ،

وقالوا له ‏:‏ لا نتركك حتى تسب محمدًا ،

أو تقول في اللات والعزى خيرًا ، فوافقهم على ذلك مكرهًا ،

وجاء باكيًا معتذرًا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- فأنزل الله :

{من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان }
( النحل 106) ،

ومات أبوه في العذاب ، وأما أمه فطعنها أبو جهل - لعنه الله - في قبلها بحربة فماتت .


   
وعذب خباب بن الأرت - رضي الله عنه- بالنار فكانت مولاته تأتى بالحديدة المحماة فتجعلها على ظهره أو رأسه ،

ليكفر بمحمد - صلى الله عليه وسلم- ، وكان المشركون يلوون عنقه ويجذبون شعره ،

وقد ألقوه على النار ثم سحبوه عليها فما أطفأها إلا شحم ظهره ،

إلى آخر تلك القائمة الطويلة المؤلمة .

يقول سعيد بن جبير قلت لعبد الله بن عباس :

" أكان المشركون يبلغون من أصحاب رسول الله من العذاب ما يعذرون به في ترك دينهم ؟

قال نعم والله إن كانوا ليضربون أحدهم ويجيعونه ويعطشونه حتى ما يقدر أن يستوي جالسا من شدة الضر الذي به ،

حتى يعطيهم ما سألوه من الفتنة ، حتى يقولوا له : اللات والعزى إلهاك من دون الله ؟

فيقول : نعم ، افتداء منهم لما يبلغون من جهده " .

والرسول - صلى الله عليه وسلم- في كل ذلك لا يملك أن يدفع عنهم شيئًا مما هم فيه ،

ولكنه كان يذكرهم بعظيم الأجر الذي ينتظرهم عند الله على صبرهم واحتسابهم ،

ويعلمهم بما عاناه وقاساه من قبلهم من المؤمنين ، من صنوف العذاب وألون البلاء ،

ويبشرهم بالمستقبل الذي وعد الله به هذا الدين وأهله ،

وأنه سيتم الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله ،

والذئب على غنمه ، مما كان له أعظم الأثر في تثبيت الفئة المؤمنة ،

ومواصلة السير في هذا الطريق بجد وعزم ، وثبات وصبر ، حتى أفاض الله عليهم الفرج بعد الشدة ،

وأعزهم وأعلى شأنهم ونصرهم على عدوهم ، وأكمل لهم دينه وأتم عليهم نعمته .
 


  
Al_maroof
Al_maroof
نائب مدير
نائب مدير

اوسمتي منتدي عبير الاسلام
مساهماتي : 14235
نقاطي : 22524
تسجيلي : 30/10/2011
مزاجي مزاجي : محتسب وحامد لربي

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

ظ رد: ـ[ سيرة المصطفى من البعثة للهجرة ]ـ

مُساهمة من طرف Al_maroof الأربعاء 12 يونيو 2013, 5:35 pm




... لكم دينكم ولي دين ...


حاولت قريش من خلال أسلوب المساومة،

أن يلتقي الإسلام والكفر في منتصف الطريق، وذلك بأن يترك المشركون بعض ما هم عليه،

ويترك النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعض ما هو عليه، قال تعالى:

{ وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ }
(القلم:9) .

فقد رأت قريش أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ

لم يصرفه عن دينه ودعوته أسلوب السخرية والاضطهاد والتعذيب،

ولا أسلوب الإغراء، فسلكوا معه طريق المساومة والتنازلات،

لعله يرجع عما جاء به، أو يتنازل عن بعض الحق الذي يدعو إليه .

ذكر ابن القيم في كتابه زاد المعاد أن ابن هشام روى في سيرته قوله:

" اعترض رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يطوف بالكعبة ـ فيما بلغني ـ

الأسودُ بن عبد المطلب بن أسد بن عبد العزى، والوليدُ بن المغيرة،

وأميةُ بن خلف، والعاصُ بن وائل السهمي، وكانوا ذوي أسنان(كبار) في قومهم، فقالوا:

يا محمد! هلمَّ فلنعبد ما تعبد، وتعبد ما نعبد، فنشترك نحن وأنت في الأمر،

فإن كان الذي تعبد خيراً مما نعبد كنا قد أخذنا بحظنا منه، وإن كان ما نعبد خيراً مما تعبد كنتَ قد أخذت بحظك منه.

فأنزل الله ـ تعالى ـ فيهم:

{ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ *
لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ *
وَلاَ أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُد *
وَلاَ أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ *
وَلاَ أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ *
لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ }
(سورة الكافرون الآيات: 1-6).

لقد بينت سورة الكافرون من خلال هذا الموقف بأن طريق الحق واحد لاعوج فيه،

إنه توحيد الله، والعبادة الخالصة له سبحانه ،

فلا لقاء بين الكفر والإيمان، ولا اجتماع بين النور والظلام،

فالاختلاف جوهري كامل، يستحيل معه التنازل عن شيء من الحق لإرضاء الباطل وأهله،

ومن ثم كان الرد حاسماً على زعماء قريش المشركين، فلا مساومة،

ولا مشابهة، ولا حلول وسط ، فالكفر كفر ،

والإيمان إيمان، والفارق بينهما بعيد ، والسبيل الوحيد للالتقاء هو الخروج من الكفر إلى الإسلام،

وإلا فهي البراءة التامة، والمفاصلة الكاملة، بين الحق والباطل، والإيمان والكفر :

{ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ }
(الكافرون:6) .


وجاء وفد آخر بعد فشل الوفد السابق، يتكون من عبد الله بن أبي أمية، والوليد بن المغيرة،

ومكرز بن حفص، وعمرو بن عبد الله بن أبي قيس،

والعاص بن عامر، ليقدم عرضاً آخر للتنازل عن بعض ما في القرآن،

فطلبوا من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ينزع من القرآن ما يغيظهم من ذم آلهتهم،

فأنزل الله ـ تعالى ـ قوله:

{ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ ءَايَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا
ائْتِ بِقُرْءَانٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ
قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي
إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ
إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ }
(يونس الآية:15) .


لقد واجه المشركون دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - بأساليب مختلفة،

ووسائل متنوعة للصد عن سبيل الله، وقد باءت تلك الوسائل والأساليب بالفشل الشديد،

فلجؤوا إلى أسلوب المساومة والتنازلات، فكان موقف النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ

هو عدم قبولها أو مجرد مناقشتها،ليكون ذلك درسا للصحابة ـ

ولنا من بعدهم ـ في الثبات على العقيدة،

والتمسك بالمبادئ، فلا تساهل أو تنازل في أمور التوحيد و ما يتصل به،

مهما كانت الأسباب والدوافع، والمبررات والإغراءات ..

وفي مقابل ذلك، نجد في سيرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ

وحياته مرونة مع المشركين في مواقف أخرى، وفقا لما تطلبته هذه المواقف .
في يوم الحديبية تتجلى هذه المرونة في قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في ذلك اليوم:

( والله لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة يسألوني فيها صلة الرحم إلا أعطيتهم إياها )
( أحمد ).

و في قبوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يكتب في عقد الصلح بينه وبين قريش:

باسمك اللهم، بدل بسم الله الرحمن الرحيم، وهي تسمية رفضتها قريش،

ثم قبوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الشروط ما في ظاهره إجحاف بالمسلمين،

و إن كان في باطنه الخير للإسلام والمسلمين ..

إن سيرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأحداثها مدرسة تربوية،

لما تحمله بين طياتها من الدروس والفوائد ..

فما أحوجنا في ظل هذا الواقع الذي تعيشه أمتنا، أن نقف مع سيرته ـ صلى الله عليه وسلم ـ

لنعيش دروسها ومعانيها واقعا عمليا في حياتنا ..

Al_maroof
Al_maroof
نائب مدير
نائب مدير

اوسمتي منتدي عبير الاسلام
مساهماتي : 14235
نقاطي : 22524
تسجيلي : 30/10/2011
مزاجي مزاجي : محتسب وحامد لربي

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

ظ رد: ـ[ سيرة المصطفى من البعثة للهجرة ]ـ

مُساهمة من طرف Al_maroof الأربعاء 12 يونيو 2013, 6:24 pm




... الحصار والمقاطعة دروس وعبر ...


ما أشبه الليلة بالبارحة، فأعداء الله في كل زمان ومكان يحاربون الإسلام وأهله،

كما قال الله تعالى:

{ وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا }
(البقرة: من الآية217)،

وهم يستخدمون في ذلك من الأساليب ما يتشابهون فيه قديما وحديثا،

ومن ذلك أسلوب الحصار والمقاطعة ..

وقد تعرض رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لمحن كثيرة،

وحورب بأساليب شتى، فقريش أغلقت الطريق في وجه الدعوة في مكة،

وتعرضت بالإيذاء والتعذيب، والسخرية والاستهزاء للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه،

ثم حوصر بعد ذلك ـ صلى الله عليه وسلم ـ وصحابته ثلاث سنوات في شِعب أبي طالب،

وقد صاحب ذلك الحصار ـ الاقتصادي والاجتماعي ـ جوع وحرمان،

ونصب وتعب شديد، ومع ذلك كله فرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ

ماض في طريق دينه ودعوته، صابر لأمر ربه، ومعه أصحابه ـ رضوان الله عليهم ـ ..

قال ابن القيم في كتابه زاد المعاد " :

لما رأت قريش أمر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعلو والأمور تتزايد،

أجمعوا أن يتعاقدوا على بني هاشم وبني المطلب وبني عبد مناف

ألا يبايعوهم ولا يناكحوهم ولا يكلموهم ولا يجالسوهم حتى يسلموا إليهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ،

وكتبوا بذلك صحيفة وعلقوها في سقف الكعبة.. فانحازت بنو هاشم وبنو المطلب مؤمنهم وكافرهم،

إلا أبا لهب فإنه ظاهر قريشاً على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبني هاشم وبني المطلب،

وحبس رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومن معه في شِعْب أبي طالب ليلة هلال المحرم سنة سبع من البعثة،

وبقوا محصورين مضيقاً عليهم جداً،

مقطوعاً عنهم الميرة والمادة نحو ثلاث سنين حتى بلغ بهم الجَهْد،

وسُمِعَ أصوات صِبيانِهم بالبكاء من وراء الشِّعب .." .

ويذكر أهل السير أن الحمية والرأفة أخذت نفرا من رجال قريش فتعاهدوا على نقض هذه الصحيفة الظالمة،

وسعوا في ذلك حتى نقضت، وهؤلاء النفر هم: هشام بن عمرو من بني عامر بن لؤي،

وزهير بن أبي أمية المخزومي، وأبو البختري بن هشام، وزمعة بن الأسود، والمطعم بن عدي ..

لقد صورت هذه المقاطعة قمة الأذى والظلم الذي لقيه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ

وأصحابه طوال سنوات ثلاث،

ومع ذلك كان فيها من الخير والدروس الكثير ..

قال الله تعالى:

{ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ
وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ }
(البقرة: من الآية216)،

فقد كانت هذه المقاطعة سببا في خدمة الإسلام ودعوته،

فقد انتشر الخبر بين قبائل العرب من خلال موسم الحج ـ الذي كان إعلاما ـ بما تفعله قريش من الأذى،

وتحمل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه ذلك، وثباتهم على مبادئهم،

مما أثار سخط العرب على كفار مكة وتعاطفهم مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه،

فما أن انتهى الحصار حتى أقبل الناس على الإسلام، وذاع أمره،

وهكذا ارتد سلاح الحصار الظالم على أصحابه، وكان عاملا قويا من عوامل انتشار الإسلام ودعوته،

عكس ما كان يريد ويأمل زعماء الكفر، قال تعالى:

{ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ }
(لأنفال: من الآية30) ..


الصبر والثبات درس هام من دروس هذا الحصار وهذه المقاطعة،

فقد تجرع الصحابة الكرام ـ رضوان الله عليهم ـ مرارة هذا الحصار الشديد،

فكانوا يأكلون ورق الشجر وما يجدونه، حتى قال سعد بن أبي وقاص ـ رضي الله عنه ـ:

" خرجت ذات ليلة لأبول فسمعت قعقعة تحت البول،

فإذا قطعة من جلد بعير يابسة فأخذتها وغسلتها،

ثم أحرقتها ثم رضضتها، وسففتها بالماء فقويت بها ثلاثا " ..

ومع ذلك صبروا وثبتوا، فكانت تربية النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ

لهم على الصبر عاملاً مهماً من عوامل الصمود والتحدي أمام الباطل وأهله،

فالنصر مع الصبر، والبلاء سُنَّة ماضية، وأهل الإيمان لا بد أن يتعرضوا للفتن تمحيصاً وإعداداً،


قال تعالى :
{ أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وهُمْ لا يُفْتَنُونَ }
(العنكبوت: 2).،

وقال تعالى:
{ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ }
(آل عمران:142)،

ومن ثم تجلت التضحيات والمواقف في الثبات

ـ على الدين والدعوة والقيم ـ

عند الصحابة الكرام طوال حياتهم ..

ومن دروس هذه المقاطعة رد الجميل لأصحابه،

ومكافأة المحسنين على إحسانهم، وهذا خُلُق حث عليه الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال:

( من أتى إليكم معروفاً فكافئوه )
( الطبراني )،

فبعد انتهاء هذه المقاطعة، كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ

مقدراً لأصحاب المواقف الإيجابية مع المسلمين، وكافأهم عليها.

فأما عمه أبو طالب فقد قال العباس بن عبد المطلب ـ رضي الله عنه ـ للنبي صلى الله عليه وسلم:

ما أغنيتَ عن عمك، فوالله كان يحوطك ويغضب لك؟ فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ:

( هو في ضحضاح من نار، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار )
( البخاري ) .

وذكر ابن هشام في سيرته:

أن هشام بن عمرو أسلم فأعطاه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من غنائم معركة حنين دون المائة من الإبل .

وأما أبو البختري فقد كان في صف المشركين يوم بدر فنهى النبي ـ صلى الله عليه وسلم عن قتله .

وأما المطعم بن عدي فقد قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في أسارى بدر من المشركين:

( لو كان المُطعِم بن عدي حياً، ثم كلَّمني في هؤلاء النَّتْن لتركتهم له )
( البخاري )،

ولفظ أبي داود ( لأطلقتهم له ) .

ونقل الحافظ ابن حجر في الفتح:

" بأنَّ ذلك مكافأة له على يدٍ كانت له عند النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ،

وهي إما ما وقع من المطعم حين رجع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الطائف ودخل في جوار المطعم بن عدي،

أو كونه من أشدِّ من قام في نقض الصحيفة التي كتبتها قريش على بني هاشم

ومن معهم من المسلمين حين حصروهم في الشعب ".

وعلى الرغم من هذه المقاطعة الظالمة والمؤلمة،

وما أصاب المسلمين من أثرها من معاناة وآلام، فإن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يتوقف عن دعوته،

فقد كان يخرج يتلقى من يقدم إلى مكة للحج، ويعرض عليهم الإسلام،

كما كان يعرض ذلك على من يتصل به من قريش ..

ولما أذن الله بنصر دينه، وإعزاز رسوله، وفتح مكة،

ثم حجة الوداع، كان النبي - صلى الله عليه وسلم -

يؤثر أن ينزل في خيف بني كنانة ليتذكر ما كانوا فيه من الضيق والاضطهاد،

وليؤكد قضية انتصار الحق واستعلائه، وتمكين الله لأهله الصابرين، فحينما سئل ـ صلى الله عليه وسلم ـ

في حجته أين تنزل غدا؟، قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ

( .. نحن نازلون غداً بخيف بني كنانة، المحصب،
حيث تقاسمت قريش على الكفر،
وذلك أن بني كنانة حالفت قريش على بني هاشم أن لا يبايعوهم ولا يؤوهم .. )
( البخاري ).

والخيف: هو المكان الذي اجتمعت فيه قريش لعقد مقاطعتهم الظالمة ..

قال ابن حجر :

" .. قيل إنما اختار النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ النزول في ذلك الموضع

ليتذكر ما كانوا فيه، فيشكر الله تعالى على ما أنعم به عليه من الفتح العظيم،

وتمكنهم من دخول مكة ظاهرا، على رغم أنف من سعى في إخراجه منها،

ومبالغة في الصفح عن الذين أساءوا، ومقابلتهم بالمن والإحسان،

ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء .." .

إن هذا الحصار الظالم الذي فرضه العدو على المسلمين،

كان من التحديات التي واجهت المسلمين قديماً وحديثاً،

وهو أسلوب يلجأ إليه العدو عندما لا يتمكن من مقابلة الحجة بالحجة،

أو المواجهة، وهدفه من ذلك القضاء على المسلمين، أو إنزالهم عند شروطه الظالمة،

ولكن هيهات أن يتحقق له ذلك، لأن المسلمين يستمدون قوتهم من الله تعالى،

وهم يتمسكون دائماً بالصبر والثبات على الحق، كما ثبت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ

وأصحابه أمام هذه المقاطعة وغيرها..


ـ[ سيرة المصطفى من البعثة للهجرة ]ـ 4185151214

Al_maroof
Al_maroof
نائب مدير
نائب مدير

اوسمتي منتدي عبير الاسلام
مساهماتي : 14235
نقاطي : 22524
تسجيلي : 30/10/2011
مزاجي مزاجي : محتسب وحامد لربي

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

ظ رد: ـ[ سيرة المصطفى من البعثة للهجرة ]ـ

مُساهمة من طرف Al_maroof الأربعاء 12 يونيو 2013, 8:47 pm



... المقاطعة الاقتصادية ...



من سنن الله الكونية الصراع بين الحق والباطل،

وبين الخير والشر، ولا يزال الأمر كذلك أينما وجد الحق

أو كان له أتباع، فالحق مُمْتَحن، ولكنه منصور ولو بعد حين،

{ يريدون ليطفئوا نور الله بأَفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون}
(الصف:Cool.

وأقرب مثال لبيان حقيقة ما سبق موقف المشركين من النبي صلى الله عليه وسلم ودعوته،

حيث لم يتركوا وسيلة لحربه إلا سلكوها، ولا سبيل إيذاء إلا اتبعوه،

ولما رأت قريش أن عدد الداخلين في الإسلام قد ازداد،

وأن شوكة الإسلام قد قويت بعد إسلام عمر وحمزة،

بدأت في التفكير في أسلوب جديد وطريقة أخرى للقضاء على هذه العصبة المؤمنة.

فمن طرق الحرب التي سلكها المشركون ضد المسلمين، الحصار الاقتصادي،

فقد تمخض حقد المشركين عن عقد معاهدة تعتبرُ المسلمين ومن يرضى بدينهم،

أو يعطف عليهم، أو يحمى أحداً منهم، حزباً واحداً دون سائر الناس،

ثم اتفقوا فيما بينهم على أن لا يناكحوهم، ولا يبايعوهم ولا يجالسوهم،

ولا يدخلوا بيوتهم، وكتبوا بذلك صحيفة فيها عهد وميثاق

" أن لا يقبلوا من بني هاشم صلحاً أبداً، ولا تأخذهم بهم رأفة حتى يسلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم للقتل ".

وعلقت هذه الصحيفة في الكعبة لتأخذ بنودها طابع القداسة،

وأنه يجب التقيد والالتزام بها، فالعرب قاطبة تقدس الكعبة،

لذا عمدت قريش إلى تعليق الصحيفة داخل الكعبة.

وقد فعلوا ذلك في الوقت الذي كانت فيه العرب عامة وقريش خاصة تتغنى بالكرم والجود والبذل والعطاء،

وتعتبر هذه الخصلة من مواطن الفخر والمنافسة والسباق،

ولكن لماَّ تمكن الحقد من قلوبهم، وسرى الغل في نفوسهم،

نسوا كل هذه المعاني التي تعارفوا عليها، وأصبح الذين يطعمون الضيفان

ويلتمسون المحتاجين، يبخلون بالحقوق على قرابتهم وجيرانهم،

فقطعوا الأرحام وأجاعوا الأطفال والنساء،

ونُزعت من صدورهم كل معاني الإنسانية.

فاضطر رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه إلى الاحتباس في شِعب بني هاشم،

وانحاز إليهم بنو المطلب كافرهم ومسلمهم عدا أبا لهب ،

فقد انحاز لقريش في خصومتها لقومه. وضيَّق المشركون الخناق على المسلمين،

وقطعوا عنهم المؤن، ونفد الطعام حتى بلغ بهم الجهد والتعب أقصاه،

وسُمع بكاء أطفالهم من وراء الشعب، حتى رثى لحالهم بعض خصومهم.

وكان الصحابة المحاصرونَ إذا جاءت عير إلى مكة،

يأتي أحدهم السوق ليشتري قوتاً لعياله، فيقول أبو لهب للتجَّار:

يا معشر التجَّار غالوا على أصحاب محمد حتى لا يدركوا معكم شيئاً،

وقد علمتم مالي ووفاء ذمتي، فأنا ضامن أن لا خسار عليكم،

فيزيد التجَّار عليهم في قيمة السلعة أضعافاً مضاعفة، فيرجع أحدهم إلى أطفاله من غير شيء،

وهم يصرخون من الجوع، قال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه:

"خرجت ذات ليلة لأبول فسمعت قعقعة -أي صوتاً- تحت البول،

فإذا هي قطعة من جلد بعير يابسة، فأخذتها وغسلتها، ثم أحرقتها،

ورضضتها بالماء ، فتقويت بها ثلاثة أيام".

وهذا يدل على مدى الشدة والحال التي وصلوا إليها بسبب ذلك الحصار.

وفي أيام الحصار، وفي تلك الحال، كان المسلمون يخرجون للقاء الناس في موسم الحج لدعوتهم إلى الإسلام،

فلم تشغلهم آلامهم وما هم فيه عن تبليغ دعوتهم وعرضها على كل وفد يأتي إلى مكة،

فإن الاضطهاد لا يقتل دعوة الحق، بل يزيد جذورها عمقاً وفروعها امتداداً .

وقد كسب الإسلام -خلال فترة الحصار- أنصاراً كُثُر،

وكسب - إلى جانب ذلك - أن المشركين قد بدؤوا ينقسمون على أنفسهم،

ويتساءلون عن صواب ما فعلوا،

حتى قيض الله تعالى فريقا منهم لإبطال هذه المقاطعة،

ونقض الصحيفة الجائرة، وذلك بعد ثلاث سنين من الشدة والبلاء.

وإذا كان ظاهر المقاطعة يلحق المشقة والعناء برسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته،

وهذا الذي كانت تأمله قريش،

فإن المقاطعة ألقت بآثارها السيئة على غير المسلمين من أهل مكة من حيث لا يشعرون،

فقد تأثرت الحياة الاجتماعية من صلة رحم ونكاح ومخالطة،

كما تأثرت الحياة الاقتصادية على كلا الطرفين،

ومع ذلك فإن أحداث هذه المقاطعة مليئة بالفوائد والعبر،

فمن تلك الفوائد والعبر:

- أن أعداء الله في كل زمان ومكان يحاربون الدعاة في أرزاقهم،
حتى يستكينوا أو يرجعوا عما يدعون إليه.

- أن الإيمان إذا خالطت بشاشة القلوب،
عاش صاحبه في جنة الدنيا، وإن كان أفقر الناس،
ولهذا حرص الصحابة رضي الله عنهم على القيام بواجب الدعوة إلى الله في موسم الحج،
مع ما هم عليه من حال عصيبة.

- على أهل الإيمان أن يستعدوا في كل حين لما يحيكه أعداء الباطل بهم .

وما أشبه الليلة بالبارحة، فأعداء الله في كل زمان ومكان حرب على الحق وأهله،

كما قال الله تعالى:

{ ولا يزالون يقاتِلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا }
(البقرة: 217)

وهم يستخدمون في ذلك من أساليب الحرب وأسلحتها ما يشبه بعضهم بعضاً فيه،

ويرثه المتأخر عن المتقدم، ومن ذلك ما تقدم معنا من الحرب الاقتصادية،

والتي استخدمها أعداء الإسلام في هذه الأزمنة أسوأ استخدام،

ففعلوا بها الأفاعيل، فكم قتلوا بها من أطفال وشيوخ ونساء، بمنعهم الطعام والشراب والدواء،

فأهلكوا الحرث والنسل على مسمع ومرأىً من العالم الذي يرعى حقوق الحيوان،

ويزعم أنه يحفظ حقوق الإنسان!!



ـ[ سيرة المصطفى من البعثة للهجرة ]ـ 994982863


Al_maroof
Al_maroof
نائب مدير
نائب مدير

اوسمتي منتدي عبير الاسلام
مساهماتي : 14235
نقاطي : 22524
تسجيلي : 30/10/2011
مزاجي مزاجي : محتسب وحامد لربي

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

ظ رد: ـ[ سيرة المصطفى من البعثة للهجرة ]ـ

مُساهمة من طرف Al_maroof الأربعاء 12 يونيو 2013, 8:56 pm



... والله ليتمَّن هذا الأمر... ولكنكم تستعجلون ! ...



لم يفتر المشركون عن إيذاء رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وصحابته،

منذ أن صدع بدعوته إلى أن خرج من بين أظهرهم، وأظهره الله عليهم،

ومع ما له ـ صلى الله عليه وسلم ـ من عظيم القَدْر والمنزلة،

إلا أنه قد حظي من البلاء بالحِمْل الثقيل، والعناء الطويل،

منذ أول يوم صدع فيه بالدعوة،

فكانت فترة رسالته ـ صلى الله عليه وسلم ـ وحياته سلسلة متصلة من المحن والابتلاء،

فما وهن لما أصابه في سبيل الله، بل صبر واحتسب ..

وأعطى أصحابه القدوة في التحمل والصبر،

والثبات على دين الله والدعوة إليه، ورباهم على ذلك ..

ومن ثم فقد تحمل الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ من البلاء العظيم ما تنوء به الجبال،

وبلغ بهم الجَهْد ما شاء الله أن يبلغ، لكنهم ثبتوا، وضربوا لنا المثال في الصبر والثبات،

ومِنْ هؤلاء الرجال الذين رباهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ خباب بن الأرت ـ رضي الله عنه ـ ..


في صحراء مكة, التي كانت تلفح بالحر الشديد، كان خباب لا يزال دون العشرين من عمره,

وهو من أوائل من آمن بدعوة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وأظهر إسلامه،

وكان ـ رضي الله عنه ـ مولى لأم أنمار بنت سِباع الخزاعية،

فلما علمت بإسلامه عذبته بالنار، وكانت تأتى بالحديدة المحماة فتجعلها على ظهره ورأسه،

ليكفر برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فلم يكن يزيده ذلك إلا إيمانا،

وكذلك كان المشركون يعذبونه فيلوون عنقه، ويجذبون شعره،

وقد ألقوه على النار، ثم سحبوه عليها، فما أطفأها إلا شحم ظهره ..



وقد تحدث خباب ـ رضي الله عنه ـ عن بعض ما كان يلقى من المشركين من سوء معاملة،

ومساومة على الحقوق حتى يعود إلى الكفر، فقال ـ فيما رواه البخاري ـ:

" كنت قيناً(حدادا)في الجاهلية،

وكان لي على العاص بن وائل السهمي دَيْن فأتيته أتقاضاه،

فقال: لا أعطيك حتى تكفر بمحمد، فقلت: والله لا أكفر حتى يميتك الله ثم تبعث،

فقال: وإني لميت ثم مبعوث؟، قلت: بلى،

قال: دعني حتى أموت ثم أبعث فسوف أُوُتىَ مالاً وولداً فأقضيك(أعطيك)،

فأنزل الله:

{ أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً }
(مريم:77)

إلى قوله:

{ وَيَأْتِينَا فَرْداً }
(مريم: من الآية80) ..


قول خباب :

" والله لا أكفر حتى يميتك الله ثم تبعث "،

قال ابن حجر :

" مفهومه أنه يكفر حينئذ، لكنه لم يُرِدْ ذلك،

لأن الكفر حينئذ لا يُتصور،

فكأنه قال: لا أكفر أبدا " ..



ولما زاد ضغط المشركين وتعذيبهم للمسلمين المستضعفين،

شكى خباب إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ،

فقال: ( شكونا إلى رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة،

قلنا له: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو الله لنا ؟، قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ:

كان الرجل فيمن قبلكم، يحفر له في الأرض فيجعل فيه،

فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه، فيشق باثنتين وما يصده ذلك عن دينه،

ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب،

وما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن هذا الأمر،

حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون )
( البخاري )

.. وفي رواية أحمد قول خباب :

( شكونا إلى رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة،

فقلنا يا رسول الله ألا تستنصر الله تعالى لنا؟، فجلس محمرا وجهه .. ) ..

وهذا الأسلوب في الطلب من خباب ـ رضي الله عنه ـ حين قال:

" ألا تدعو لنا؟ ألا تستنصر لنا؟ " يوحي بما وراءه،

وأنه صادر من قلوب أتعبها العذاب، وأنهكها الجهد،

وهدتها البلوى، فهي تلتمس الفرج العاجل، وتستبطئ النصر فتستدعيه،

ومع ذلك احمر وجهه ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقعد من ضجعته،

وخاطب أصحابه بهذا الأسلوب القوي المؤثر، ثم عاتبهم على الاستعجال بقوله:

( ولكنكم تستعجلون )، لأنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ يريد أن يربي أصحابه على أن قبل النصر البلاء والصبر،

فالرسل وأتباعهم يُبْتلون ثم تكون لهم العاقبة، قال الله تعالى:

{ حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا
جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ }
(سورة يوسف، الآية:110)،

وقال تعالى:
{ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ
كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ
وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً
وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }
(النور:55).


إن من يتأمل ذلك الموقف الذي كان يعيشه خبّاب بن الأرت ـ رضي الله عنه ـ

يدرك أن له من المبررات الكثير، لكن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أراد أن يربي الصحابة ـ

ومن يأتي بعدهم ـ على الصبر والثبات وعدم الاستعجال،

وعلى التأسي بالسابقين من الأنبياء والمرسلين وأتباعهم،

الذين تحملوا الأذى في سبيل الله، وضرب لهم الأمثلة في ذلك .

كما كان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يملأ قلوبهم بالتعلق بما أعده الله في الجنة للمؤمنين الصابرين من النعيم،

وعدم الاغترار بما في أيدي الكافرين من زهرة الحياة الدنيا .



ومع ما هم فيه من شدة وبلاء فتح لهم ـ صلى الله عليه وسلم ـ

باب البشرى والأمل في التطلع للمستقبل الذي ينصر الله فيه الإسلام،

ويذل فيه أهل الذل والعصيان، فقال:

( والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت،
لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون ) .



ولم تكن هذه البشارات ـ وغيرها ـ التي يبشر بها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أصحابه،

مخفية مستورة، بل كانت معلنة مكشوفة، يعلمها الكفرة،

كما كان يعلمها المسلمون، حتى كان الأسود بن المطلب وجلساؤه،

ذا رأوا أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ تغامزوا بهم،

وقالوا: قد جاءكم ملوك الأرض الذين يرثون كسرى وقيصر،

ثم يصفرون ويصفقون .



ولم يزل الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يغذى أرواح أصحابه بمعاني الإيمان،

ويزكى نفوسهم بالقرآن، ويحدو بنفوسهم إلى منازل سمو الروح وحسن الخلق،

ويأخذهم بالصبر على الأذى والبلاء، والصفح الجميل،

حتى ازدادوا ثباتا على الدين، وتحليا بالصبر،

وعزوفا عن الشهوات، وحنينا إلى الجنة ..

وإذا كان الاعتداء والإيذاء، قد نال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وصحابته الكرام،

فلم يعد هناك أحد هو أكبر من الابتلاء والمحنة، وتلك سنة من سنن الله في خَلقه،

وعلى ذلك ربى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أصحابه ..

عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قلت:

يا رسول الله أي الناس أشد بلاء؟ قال:

( الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل،
يبتلى الرجل على حسب دينه،
فإن كان في دينه صلبًا اشتد بلاؤه،
وإن كان في دينه رقة ابتلي حسب دينه،
فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة )
( ابن ماجه ) .


ومن ثم فلا ينبغي للمسلم أن يضعف إذا ما عانى شيئا من المشقة والابتلاء،

في طريق سيره ودعوته إلى الله، فقد سبقه في ذلك رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه، ف

لا يستعجل الثمرات والنتائج، وليعلم أنه كلما اشتد الظلام أوْشك طلوع الفجر،

وكلما ازدادت المحن والابتلاءات، قرب مجيء النصر، قال الله تعالى :

{ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ
مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا
حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ
مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ }
(البقرة:214) ..


cheers


Al_maroof
Al_maroof
نائب مدير
نائب مدير

اوسمتي منتدي عبير الاسلام
مساهماتي : 14235
نقاطي : 22524
تسجيلي : 30/10/2011
مزاجي مزاجي : محتسب وحامد لربي

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

ظ رد: ـ[ سيرة المصطفى من البعثة للهجرة ]ـ

مُساهمة من طرف Al_maroof الأربعاء 12 يونيو 2013, 9:09 pm




... عام الحزن حقائق وحِكم ...


هو العام العاشر من بعثته ـ صلى الله عليه وسلم ـ ،

فقد توفيت فيه أم المؤمنين خديجة ـ رضي الله عنها ـ بعد وفاة عمه أبي طالب ،

فابتلي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حياته العامة والخاصة،

إذ كانت خديجة ـ رضي الله عنها ـ من نعم الله الجليلة عليه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ،

فقد آزرته في أحرج الأوقات، وأعانته على إبلاغ رسالته،

وشاركته آلامه وآماله، وواسته بنفسها ومالها،

وبقيت ربع قرن تحمل معه كيد الخصوم وآلام الحصار ومتاعب الدعوة،

وماتت والرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الخمسين من عمره وهي في الخامسة والستين،

فحزن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عليها حزنا شديدا .

وكذلك حزن لموت عمه أبي طالب ، فقد كان الحصن الذي تحمى به الدعوة من هجمات الكبراء والسفهاء,

وكان يحوط النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويغضب له وينصره،

ومما زاد حزن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لموته أنه مات على الكفر. .

وبموت أبي طالب الذي أعقبه موت خديجة ـ رضي الله عنها ـ،

تضاعف الحزن على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ،

ومن ثم أُطلِق على هذا العام عام الحزن..

لقد قضت حكمة الله تعالى،

أن يفقد الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ عمه وزوجه ومن كان في الظاهر حاميا له

حتى تظهر للصحابة والمسلمين من بعدهم حقائق وحِكم هامة،

يستفيدون منها في حياتهم، ويستضيئون بنورها في واقعهم، وهي كثيرة، منها :



أظهر هذا العام بصورة واضحة، أن الحفظ والعناية والنصر من الله،

فسواء وُجِد من يحمي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الناس

أَوْ لم يوجد، ستمضي دعوته وسينتصر دينه،

لأن الذي ينصره في الحقيقة هو الله، قال الله تعالى:

{ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ }
(التوبة:33)،

وقال تعالى:
{ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ }
(غافر:51).


ثم إن الله ـ عز وجل ـ قد تكفل بحفظ نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الناس،

كما قال تعالى:

{وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ }
(المائدة: من الآية67).


قَال الشافعي : يعصمك من قتلهم أن يقتلوك حتى تبلغ ما أنزل إليك..

وليس معنى العصمة من الناس أن لا يرى من الناس إيذاء أو اضطهادا..

فلقد قضت حكمة الله تعالى أن يذوق الأنبياء قدرا غير يسير من الأذى والمحن،

إنما العصمة المذكورة في الآية العصمة من القتل،

ومن أي عدوان أو صد من شأنه إيقاف دعوته ورسالته والقضاء عليها،

فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت:

( كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يُحرس ليلا حتى نزلت

{ والله يعصمك من الناس }،

فأخرج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ رأسه من القبة فقال لهم:

أيها الناس انصرفوا فقد عصمني الله )
( الترمذي )..

ولو أن أبا طالب بقي حيا إلى جانب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ

يحميه وينصره إلى أن تقوم الدولة الإسلامية في المدينة، وينتشر الإسلام هنا وهناك،

لكان في ذلك ما يوهم أن أبا طالب كان وراء ذلك،

ومن ثم ففي استمرار دعوته وانتشار رسالته ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعد موت عمه وزوجه،

برهان واضح، ودليل ساطع، أن الذي يتولى حفظه وحمايته ونصره هو الله سبحانه ..



هذه حقيقة هامة، والحقيقة الأخرى التي تتعلق بهذه المرحلة من حياته،ـ

صلى الله عليه وسلم ـ، هي أن البعض يحسب أن حزنه الشديد،

كان لمجرد فقده لعمه وزوجته، وربما استساغوا إقامة علامات الحزن والحداد على موتاهم مستدلين بهذا،

وهذا خطأ، صحيح أن الحزن على فقد القريب الحامي لدعوة الحق،

وعلى فقد الزوجة المؤمنة المخلصة، حزن تقتضيه طبيعة حب الدعوة والإخلاص لها،

والوفاء للزوجة المثالية في تضحيتها وتأييدها،

وقد كان هذا من أسباب حزنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ .

لكن مما زاد من حزنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ موت عمه على الكفر،

وامتناعه أن يقول لا إله إلا الله قبل موته،

ثم ما أعقب وفاة زوجته وعمه من انغلاق كثير من أبواب للدعوة في مكة..

إذ كان حرصه ـ صلى الله عليه وسلم ـ على هداية الناس،

وحزنه على أن لا يؤمنوا بالحق الذي جاء به، أمرا غالبا على نفسه،

ومن أجل تخفيف هذا الحزن الشديد على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ

كانت تنزل الآيات القرآنية مواسية له، ومذكرة إياه بأن الهداية من الله،

وأنه ليس مكلفا بأكثر من التبليغ، فلا داعي لأن يذهب نفسه على الذين لم يهتدوا حسرات،

قال تعالى:

{ أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ
فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ }
(فاطر:Cool ،

وقال تعالى :{

إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }
(القصص:56)..


ومن الحكم الجليلة والحقائق الهامة من هذا العام ـ عام الحزن ـ من حياته ـ صلى الله عليه وسلم ـ،

الاقتداء به في الصبر والتحمل، فلو أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عاش حياته مُعافى،

ونجح في دعوته بدون أي مشقة وجهد وبلاء،

لطمع أصحابه والمسلمون من بعده في أن يستريحوا كما استراح،

ولاستصعبوا واستثقلوا الآلام والمحن التي قد يجدونها في حياتهم،

وفي تبليغ دعوتهم،

ومن ثم فمما يخفف وقع الألم والمحن على الصحابة ـ والمسلمين من بعدهم ـ،

شعورهم أنهم يذوقون بعض ما ذاقه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ،

وأنهم يسيرون في الطريق ذاتها التي سار فيها وأوذي فيها ـ صلى الله عليه وسلم ـ .

فمهما أصاب المسلم من ألم السخرية والاستهزاء والأذى،

وفقد بعض الأهل والأحباب والأنصار، فإن ذلك لا يفت في عضده،

ولا يضعف من قوته وسيره، بل يستسهل ويستعذب كل محنة وعذاب في سبيل الله،

لأنه يشعر أنه يضرب مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ

بنصيب مما عاناه وقاساه، فهو ـ صلى الله عليه وسلم ـ القدوة والأسوة لكل مسلم في السراء والضراء،

والدعوة إلى الله، قال تعالى :


{ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً }
(الأحزاب:21)..



لم يكن عام الحزن الذي عاشه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ خاتمة المطاف لتعبه وآلامه،

بل كان حلقة ضمن حلقات طويلة، عاشها وخاضها، في سبيل دعوته ورسالته،

وأعطى المسلم في كل زمان ومكان، القدوة الحسنة والنموذج الأمثل ..



ـ[ سيرة المصطفى من البعثة للهجرة ]ـ 4204982309


Al_maroof
Al_maroof
نائب مدير
نائب مدير

اوسمتي منتدي عبير الاسلام
مساهماتي : 14235
نقاطي : 22524
تسجيلي : 30/10/2011
مزاجي مزاجي : محتسب وحامد لربي

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى